الإنسان مفطور على العبادة

الأساس الثاني بعد الأساس العقدي: هو الأساس التعبدي: فمن شخصية المؤمن أنه عابد بطبعه، والإنسان مفطور على العبادة، فإذا عرف أن الله يستحق العبادة أبره بهذه العبادة، وإن لم يعرف إلهه بدأ يلتمس شيئاً يعبده، فلا بد أن يعبد شجراً أو حجراً أو مدراً أو غير ذلك، لأنه بطبعه مفطور على العبودية، والذي يزعم من البشر أنه هو الإله منتكس الفطرة مكذب لنفسه؛ ولذلك كان عمل فرعون وغيره من الذين ادعوا الربوبية نشازاً في عالم البشرية، فالبشر لا يمكن أن يصدقوا هذا، ومن الغريب أنه إذا لم يهتد الإنسان إلى ربه وإلهه فإنه يعبد شيئاً هو أشرف منه في الواقع، فقد كان الناس في أيام الجاهلية يعبدون الحجارة التي يصنعونها؛ ولهذا نبهم خليل الله إبراهيم إلى أنهم أشرف من هذه الحجارة وأعظم منها.

وكذلك كانوا يعبدون أتفه الأشياء، فقد حدث طارق بن شهاب: أنهم كانوا إذا وجدوا حجراً فأعجبهم عبدوه، فإذا وجدوا حجراً آخر أحسن منه عدلوا عن الأول وكسروه وعبدوا الثاني، فإذا لم يجدوا حجراً جمعوا تراباً واحتلبوا عليه شاة فإذا يبس عبدوه من دون الله.

هذا من انتكاس الفطرة، والموافق للفطرة إنما هو العبودية، فالإنسان بطبعه عبد، والذين يدعون الحرية ويدعون إليها يعلمون أن تلك الحرية مقيدة، وأن لها حدوداً لا بد أن تنتهي إليها، فالإنسان مفطور على العبودية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015