ومن المشاهير المبرزين من أهل هذه البلاد المجيدري المشهور وهو محمد بن حبيب الله بن الفاضل اليعقوبي، وحين أتى المغرب وهو في الخامسة عشرة من عمره لم يجد من يستطيع مناظرته في العلم، وذلك لتبريزه في اللغة وإحاطته بمفرداتها، فلا يمكن أن يأتوا بنصٍ إلا وله فيه فهمٌ وله عليه شواهد، وبذلك استطاع أن يخطف الأضواء ولم يجد من يستطيع مناظرته، وقد وجد تاجر كتبٍ في طريقه إلى هذه البلاد فأرسل معه رسالةً إلى أمه، هي عبارة عن سلهام وزربية وعبد وتسعين درهماً، وكتب له كتاباً فيه: (سلامٌ بزيادة لام ماءٍ إلى لامه وإحدى خبر كأن في قوله ترديت إلى آخر كلامه، وإياك نعبد وإياك نستعين).
فأخذ صاحب الكتب هذا الكتاب فقرأه فلم يجد فيه ذكراً للرسالة التي معه، فأراد أن يأخذ الرسالة، وأن يأتي بالكتاب إلى المرأة، فأتى العجوز بالكتاب فقالت: هات الزربية والسلهام، والعبد والتسعين، فقال: من أين أخذتها؟ فقالت: لام ماءٍ هاءٌ لأنه يجمع على (أمواه) ويصغر على (مويه)، والهاء إذا أضيفت إلى لام سلامٍ كان سلهاماً.
وإحدى خبر كأن في قوله ترديت إلى آخر كلامه، تقول: راجعت ذهني في أبيات الشعر المبدوءة بترديت فوجدت قول غيلان: ترديت من أعلام نورٍكأنها زرابي وانهلت عليك الرواعدُ فإذاً: (كأن) خبرها هنا (زرابيُ) واحدتها (زربية).
وأما (إياك نعبد وإياك نستعين) فلم أفهمها، فعرفت أنها مصحفة، فقرأتها بدون نقاط فإذا هي: أتاك بعبدٍ وأتاك بتسعين! ففهمت الكلام كما هو.