ونظير هذا جرى لعدد كثير منهم، فـ الحسن بن زين القنامي رحمه الله الذي ألف توشيح اللامية، وسبب تأليفه لهذا الكتاب أنه خرج في رفقةٍ إلى بلاد بوتة، وكان أهلها يعتنون بعلم اللغة إذ ذاك وكانوا من المبرزين فيها من عهد قيام دولة (السوكوتو) أو قبلها، فلما أتى هو ورفقته هذه البلدة، سألوهم هل هم من طلاب العلم؟ فقالوا: نعم.
فقالوا: فماذا تقرءون؟ قالوا: نقرأ الألفية، فسألوهم: ما وزن أرعوا؟ فلم يعرفوا وزنها، فقطع الحسن طريقه ورجع لدراسة الصرف، والتمكن فيه، حتى أضاف إلى اللامية قوله عند قول ابن مالك رحمه الله: وافعل لذا ألفٍ في الحشو رابعةٍ أو عارياً وكذاك بيخ اعتدل قال: والعيب واللون معناه به انعزل وعن مداه ارعوا كاحووا وخارجةٌ وارقدّ وازور عن معناته انفصل ومن ذلك ما حصل للعلامة البدوي رحمه الله عندما أتى قوم وهو في رفقتهم فسألوه عن أم آمنة بنت وهب فلم يعرفها، فقطع طريقه ورجع لطلب العلم، حتى نظم عمود النسب، وسماها فيه برة بنت عبد العزى، ولذلك فالحفاظ على اللغة العربية كان مسئوليةً مشتركة في أهل هذه البلاد، فكثير مما حصل من المناظرات والهجاء في هذه البلاد كان انتصاراً للغة العربية، ألا ترون أن التهاجي الذي حصل بين عدد كبير من الشعراء في هذه البلاد كان بسبب الانتصار للغة العربية فقط؟ ليس على أي أساس آخر، ومن ذلك ما حصل بين الشيخين المبرزين في اللغة الشيخ سيدي محمد بن شيخ سدية والشيخ محمد بن أم حمدي رحمهما الله فقد كان بسبب الانتصار للغة العربية.
وكذلك ما حصل بين الشيخين المبرزين في اللغة العربية أبي مدين بن الشيخ أحمد دو والشيخ محمد بن أحمدي فقد كان أيضاً بسبب الانتصار للعربية، وكثير من التنافر الذي يحصل بين العلماء كان بسبب الانتصار لهذه اللغة.