ومن هنا يفهم أيضاً تمثل الملائكة في صورة البشر، فإن الملائكة أجسامهم كبيرة جداً كجبريل عليه السلام له ستمائة جناح ما بين كل جناحين كما بين المشرق والمغرب، ومع ذلك يأتي في سورة دحية الكلبي فيجلس في مكان ضيق بين الناس، ويجلس معهم كأنه رجل لا يزيد عليهم في قامته ولا في عرضه.
وقد اختلف العلماء في هيئة ذلك فقالت طائفة: إنه لما عرفنا التكثير في خلق الله عرفنا التقليل فيه، فكما يكثر الخلق يقلله أيضاً، كما قال تعالى: {جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ} [فاطر:1] والزيادة في مقابلها النقص، فينقص من الخلق ما يشاء.
وقالت طائفة: بل يعدم ما زاد على تلك الصورة ويخرج جبريل في تلك الصورة، ثم يعيد الله إليه أجنحة أخرى بخلق جديد.
وقالت طائفة: بل تنسلخ روحه من بدنه فتأتي الروح في تلك الصورة فقط.
وقالت طائفة: بل إنما يمثل ذلك للعيان فيراه الناس، والواقع أنه جبريل على صورته الحقيقية، لكن الله جعل هذا في أعيننا على هذه الهيئة، وهذا أقرب الأقوال للصواب.
فهو مثل تمثيل الجنة والنار لرسول الله صلى الله عليه وسلم في عرض حائط المسجد يوم الكسوف؛ فإنه عندما خطب الناس قال: (ما من شيء لم أكن أريته إلا أريته في مقامي هذا حتى الجنة والنار).
وذكر أن الجنة والنار مثلتا له في عرض الحائط، وتقدم إلى الجنة حين مثلت له وتأخر عن النار حين مثلت له، وذكر أنه أراد أن يأخذ لهم عنقوداً واحداً من العنب، ولو أخذه لعاش منه الناس حتى تقوم الساعة، ولكن الله لم يقدر ذلك، بل جعل هذا مختصاً بالجنة، فنعيم الجنة لا يفنى ولا يبلى.