(أنشأ خلقه اختياراً): هذا إثبات صفة أخرى لله سبحانه وتعالى وهي صفة الاختيار وعدم الإكراه، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يقل أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، وليجزم أحدكم المسألة فإنه لا مكره له).
فالله سبحانه وتعالى يقول في كتابه: {يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ} [القصص:68] ومن المناسب جداً ذكر الاختيار بعد ذكر الخلق؛ لأن الله عطفه عليه بقوله: {يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص:68] فلذلك قال هنا: (أنشأ خلقه اختياراً).
واختياراً.
معناه: اصطفاء للهيئات والصور، فالله سبحانه وتعالى بالإمكان أن يخلق أي شيء من الخلق على أية صورة شاء، كما قال تعالى: {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار:8] ولحكمته اختار لكل صورة ما يناسبها.
وقد بحث العلماء هنا في مسألة، وهي ما ذكره الغزالي رحمه الله في إحياء علوم الدين حيث قال: (ليس بالإمكان أبدع مما كان)، فعندما عرضت هذه المسألة في كتابه على علماء المغاربة في دولة علي بن يسر المكاشفي في بداية القرن السادس الهجري، أمر بتحريق الكتاب على الزيت وتحريق كتب الغزالي كلها؛ لأن العلماء حكموا بأن هذا ضلال.
لكن التصور هنا متباين، فـ الغزالي رحمه الله يرى أن الله سبحانه وتعالى عندما أثبتنا أنه لا يمكن أن يخلق على أساس الغرض وإنما يخلق على أساس الحكمة، فإن حكمته مقتضية لأن يكون كل شيء أبدعه على أحسن ما يمكن في علمه هو، فكل إنسان الآن خلق على صورة معينة فهي الأفضل له.
قد يتصور أحدكم أنه الآن كان بالإمكان أن يكون أطول من هذا أو أحسن من هذا الشكل؛ لكن ذلك شراً له، وأفضل شيء له وأتمه هو ما خلقه الله عليه.
وحتى وإن كان معيباً أو ناقص الخلقة أو مبتلىً بمرض أياً كان فإنه الأفضل له، لأنه في المقابل كان سيقابل ذلك قدر من أقدار الله التي لا نعرفها، وقد تكون في الدنيا وقد تكون في الآخرة.
أقول ما سمعتم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه.