(أنشأ خلقه): المقصود بالخلق المخلوقات وهو مصدر يطلق على المفعول، والمصدر كثيراً ما يطلق على المفعول، والعكس أيضاً صحيح فيطلق المفعول ويراد به المصدر.
والمقصود بذلك ما خلق من المخلوقات على حسب ترتيبها في الوجود، فإن الله يخلق شيئاً ثم يخلق لذلك الشيء عدة أشياء، كالإنسان خلقه من نفس واحدة وأخرج منه هذا البشر الكثير، وهكذا كثير من الكائنات يجعلها في بداية الشيء واحداً ثم يكثره ويخرج منه الأضعاف المضاعفة.
وهذا فيه من الحكم الشيء الكثير إذا فهمه الإنسان، فيكون الشيء في الأصل واحداً ثم يتولد عنه ما لا حصر له، فكذلك الحسنات في تضعيفها، كما قال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} [البقرة:261].
فإذا فهمنا هذا في المحسوسات فهمناه في المعقولات، وفهمناه في الأجر وفهمناه في أمور الآخرة، وفهمنا أن الإنسان الواحد إذ كان قد أخرج الله منه خلقاً وكان أباً لقبيلة، فلا يستغرب أيضاً تضخيم جسمه يوم القيامة، فكل الناس من أهل الجنة سيكونون على صورة آدم، وطوله ستون ذراعاً في السماء، وسبعة أذرع بالعرض.
وكذلك فإن الكفار سيضخمون يوم القيامة، فمجلس الكافر في النار كما بين مكة والمدينة، وضرس الكافر في النار كجبل أحد، ويمدد الله بطونهم ووجوههم وبالأخص الذين يمنعون الزكاة، فقد جاء فيهم أن الله يوسع بطونهم وظهورهم ووجوههم حتى لا يقع دينار على دينار ولا درهم على درهم؛ لأنها يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم.