وأما ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في رسالته (رسالة الكرسي) فإنه ذكر فيها ما ظاهره أنه يوافق الفلاسفة في ذلك، لكن الذي يبدو لي أن مقصوده أن الأزل إنما هو أزمنة متوهمة فقط، ومن هنا فيقول: إن ما كان قبل خلق السماوات والأرض من المخلوقات ليس بعضه سابقاً بعضاً بمعنى السبق الذي نفهمه نحن؛ لأننا نفهم السبق بمعنى أن هذه الدقيقة قبل هذه وهذه الساعة قبل هذه، وهذا الليل قبل هذا النهار مثلاً، لكن قبل خلق السماوات والأرض لا زمان، فيكون الترتيب إنما هو حسب إرادة الله ومشيئته لا لذات الكون ولا لذات الأشياء أنفسها.
وقد أبعد النجعة في الاستدلال حتى ذكر كثيراً من الأمور، منها مثلاً: قضية جاذبية الأرض؛ فإن الأجرام إذا اقتربت من الأرض تأثرت بجاذبيتها فتستقيم في سيرها، وكلما ابتعدت عنها نقصت هذه الجاذبية فأصبح التوازن مختلاً.
لكن هذا ليس دليلاً على المراد ولا له به علاقة.
فلذلك كان اللازم أن لا يتعمق الشيخ رحمه الله في هذا المجال، وهو من الأمور التي ينبغي الاقتصار فيها على الوحي وعدم تعدي العقل مجاله، وكل يؤخذ من قوله ويرد إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم، وما من أحد إلا وله أغلاط.