غذاها أبو ثوب فلما رأيتها ... دخيساً تفوت العين حين تراها
فأتى كسرى يخبره خبر الجيش، وكان من عادة كسرى إذا جاءه من يخبره بهزيمة جيش من جنوده إن يخلع كتفه. فلما كان بباب كسرى ذكر ذلك من عادته، فخاف إن يخلع كتفه إن هو صدقه. فدخل عليه فقال له: قتلنا بكر بن وائلو أتيناك بطلبك فقال زه، فلما خرج من عنده قعد على فرسه فلحق بعين التمر. ثم جاء بعده رجل من الفرس قد نجا على فرسه له جواد، فقال: هل قدم على الملك قبلي أحد بخبر الجيش؟ قيل نعم إياس بن قبيصة. فظن إن إياسا قد صدق كسرى فخلع كتفه، فقال بالفارسية ثكلت أياس أمه، ودخل مطمئنا يظن إن الامر قد وقع بغيره. فاخبر كسرى بهزيمتة الجيش. فأمر بخلع كتفه، ونجا أياس بكتمان الخبر. فليتأمل متأمل أيضاً حال هذا الملك كيف كان بريد نفسه لم يكن له من يقدم بالخبر عن الجيش الذي كان هو زعيمه، والمقدم عليه غيره، فجاء معرضا نفسه لهذا الامر مغررا كما 167 يفعل الرسل والفيوج لا الملوك، ثم ينظر في مكانه عند الاسرى وحده عنده في سقوط المنزلة وعلم هو بذلك من أمر نفسه مخافة إن يخلع كتفه كما يفعل بالعبد الآبق واللص السارق، وعلم إنه ليس عنده هوادة ولا مزية عن غيره بحيث يحمد عن فعل ذلك به، فلولا ما فطن له من ستر الامر عنه وتعجيل الهرب منه لما نجا من ذلك الفعل الشنيع والامر الفظيع، وتلك المثلة القبيحة والسيرة السيئة التي كان يسار بها في أرذل الناس وأدوانهم، وهذا يدل على منزله دون هذه المنازل كلها. وكيف يقاس ملوك هذه صفاتهم بملك يغترف من بحر جوده فقير العرب والغني. ويعم قريبهم والقصي كما يعلم الأرض من صوب المزن، ويجود سهلها والحزن، كما وصفت أبيات في مثل هذا المعنى