أبيه وأهل بيته لوحدته وأنفراده وصنيعته وكونه في " بني " دارم منفرداً بغير ثان. فلذلك أمكنهم ستر جنايتهم على تغطية فعلتهم ولو كام معه شخص واحد من كل ما ذكرنا ما تم لهم ذلك، ولا قدروا على ستر أمره وطي خبره، فلولا عدوهم الذي وشى بهم إلى أخيه بعد هلاك أبيه لما طهر له من خبر أبداً. وإذا كان أخوه مبسوط اليد عظيم القدرة فلم لم يطلب سويداً الجاني، ويبعث كتائبه وعساكره لأخذه ويشفي غيظه بقتله وأتلاف نفسه، لا بنساء لا ذنوب لهن ولا علم عندهن، فبالله الا أنصفتم أيها السامعون، فإنكم إن فعلتم وتأملتم صورة هذا الملك بقلوبكم وأفكاركم وصورتم حاله في أنفسكم وأوهامكم علمتم حقيقة أحوال القوم وأستدللتم بهذا الحديث وحده على صحة ما تقدم ذكره.
ويشبه هذا من أحوالهم ما روى من حديث إياس بن قبيصة ملك العرب بعد النعمان. وكان يوم ذي قار على جنود كسرى كلها من العرب والعجم. فروي إنه لما أراد السير إلى بكر بن وائل يومئذ طلب من أبي ثوب التميمي من بني تيم الله بن ثعلبة وكان بينهما رحم فرساً كانت لابي ثوب أسمها الحمامة. فقالت بنو تيم الله بن ثعلبة لأبي ثوب لا تعطه الفرس فإنه إنما يريد غزونا عليها، فقال ما كنت لاقطع له رحماً ولا أمنعه فرساً، فدفعها إليه، فلما ظهرت بكر بن وائل على جنود كسرى إنهزم إياس على الحمامة وكانت لا تلحق، وفيها يقول إياس بن قبيصة: