ومن أحاديثهم معهم
أن ضمرة بن جابر بن قطن بن نشهل بن دارم كان كثير الإغارة على مملكة النعمان بن المنذر، وكان النعمان يطلبه فأعياه وأعجزه، فلم يجد في أمره حيلة إلا إن أرغبه وأمنه فأتاه وكان ضمره دميماً، فلما دخل على النعمان قال: لئن تسمع بالمعيدي خير من إن تراه. فقال ضمرة إن المرء باصغريه قلبه ولسانه إن قاتل قاتل بجنان، وإن نطق نطق ببيان. قال صدقت لله درك فهل لك علم بالأمور؟ قال: نعم. أني لابرم منها المسحول، وأنفض منها المجدول، وأجيلها حتى تجول ثم أنظر إلى ما تؤول، وليس للأمور بصاحب من لم ينظر في العواقب. قال فما السواة السوآء والدياء العياء؟ قال: أما السواة السوآء فالحيلة السحابة السليطة السبابه الخفيفة الوثابة التي تعجب من غير عجب139 وتغضب من غير غضب، الظاهر عيبها، المخوف عينها، فبعلها لا ينعم باله، ولا يحسن حاله، ولا يثري ماله، إن كان مكثرا لم ترض بماله، وإن كان مقلاً عيرته باقلاله، فاراح الله منها بعالها، ولا متع بها أهلها وكفاهم جهلها ولا جمع شملها. وما الداء العياء الذي ليس له دواء: فجار السوء الذي إن كان فوقك قهرك وحقرك، وإن كان دونك همزك ومكرك، وإن سألته منعك، وإن أعطيته كفرك، وإن ائتمنته خانك، وإن حدثته شانك، وإن غبت عنه سبعك وإن حضرته بهتك، فإذا وجدت كذلك جارك فخل له دارك، وعجل من فرارك وأبعد عنه جوارك، وإن كنت ضنيناً بالدار، فكن كالكلب الهرار عش ما عشت بذل وصغار. فقال النعمان: صدقت والله أبوك فما الفقر الحاضر والعجز الظاهر؟ قال: أما الفقر