منه وتسكنوه فتسودوا العرب، فاجابوه فاصبح بهم حول البيت وكانوا من قبل لا يبيتون من حوله، ولا يحدثون في الحرم حدثا ولا يواقعون فيه النساء، أنما يكونون حوله نهارا، ويخرجون عنه الى منازلهم بأطراف الحرم، وشعاب الوادي ليلا فلما نزل بقومه الحرم مشى اليه أشراف كنانة فقالوا له: إن هذا عند العرب عظيم ولو تركناك ما تركوك فأخرج عنه، فابى عليهم. وحضرت أيام الحج، فجمع قومه فقال لهم: قد حضر الحج وقد سمع الناس بما صنعتم ولا مكرمة عند العرب كأطعام الطعام، فليخرج كل أنسان منكم من ماله خرجا، وعليّ مثلكم جميعا، ففعلوا الا بني عامر بن لؤي خاصة فانهم أبووا إن يخوجوا في الرفادة شيء دون غيرهم من قبائل قريش، فجعل قصي على كل طريق من طرق مكة حظيرة ينحر فيها الجزر، ويطعم فيها الثريد ويسقى فيها اللبن والسويق فكل من جاء من طريق من الطرق دخل حظيرة من تلك الحظائر فأكل وشرب وصدر فقال بعضهم في ذلك:
آب الحجيج طاعمين دسما ... بجر الحشا مستحقبين شحما
وأوسعهم زيد قصي لحما ... ولبنا محضا وخبزا هشما
فحوى قصي مآثر مكة وبنى لنفسه دار الندوة يجتمع فيها قومه فيقضون فيها أمورهم دقيقها وجليها وحفر بئرين ساقيتين للحاج إحداهما: بالردم الأعلى بحيث كانت دار أبان بن عثمان من بعد