واقفا حتى حملت اليه القتلى من الميمنة والميسرة فالقيت بين يديه، فحينئذ أذن لأصحابه في الحرب، فكانت ساعة هائلة. وروى بعضهم إن الرماح أشرعت بين الفريقين حتى لو إن الرجال مشوا علها لحملتهم. وروي عن أخر شهد الحرب يومئذ إنه قال: ما دخلت قط ديار الوليد بالبصرة الا ذكرت وقع السيوف على البيض في تلك الساعة وكانت 62 دار الوليد للقصارين، وكان فيها عشرة الاف قصار. وكان أصحاب علي عليه السلام عشرة الاف أو نحوها أصحاب الجمل أربعة وعشرون الفاً، فاصيب من الفريقين بعد زوال الشمس الى وقت العصر زاد على عشرة الاف منهم من أصحاب علي عليه السلام دون الالف الباقون من أصحاب الجمل ثم طفيت الحرب. وروي إنه كان لعلي عليه السلام راية يقال لها الجذل ترفع عند الشدائد وفيها يقول الأشتر:
اذا ما حسسنا ضرام الوغى ... ادرنا الرحى تحت ضل الجذل
بضرب يفلق هاماتهم ... وطعن لهم بعوالي الأسل
ابا حسنٍ ضرب خيشومها ... فحولك كل محام بطل
فالتفت المسلمون فرأوا الجذل تهفوا فقالوا: إن أمير المؤمنين لم يرضى فعالكم، فاقبل بنفسه، فتقدم مالك بن الحارث الأشتر النخعي، وكان لا يصاحب الا الصعاليك، ولا يصر على درهم، ولا يأكل طعام وحده، فدنا فيمن معه وهو يقول:
حرب عوان من جناها هالك ... طلحة فيها والزبير ماحك
لو قدها بالسمهري مالك ... ومالك فها الغداة دارك