وَشَدَّ عَلَيْهِ مُصْعَبٌ فَضَرَبَهُ عَلَى الْبَيْضَةِ، فَهَشَّمَهَا وَجَرَحَهُ، فَرَجَعَ عُبَيْدُ اللَّهِ، فَعَصَبَ رَأْسَهُ، وَجَاءَ ابْنُ أَبِي فَرْوَةَ، مَوْلَى عُثْمَانَ، وَكَانَ كَاتِبًا لِمُصْعَبٍ، فَقَالَ لِمُصْعَبٍ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، فَقَدْ تَرَكَكَ النَّاسُ، وَعِنْدِي خَيْلٌ مُقَدَّحَةٌ فَارْكَبْهَا وَانْجُ بِنَفْسِكَ.

فَدَثَّ فِي صَدْرِهِ، وَقَالَ: لَيْسَ أَنَا كَالْعَبْدِ أَخَيِكَ.

وَرَجَعَ ظَبْيَانُ إِلَى مُصْعَبٍ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ، وَزَرَقَ زَائِدَةُ بْنُ قُدَامَةُ مُصْعَبًا، وَنَادَى: يا لَثَارَاتِ الْمُخْتَارِ، فَصَرَعَهُ.

وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ لِغُلامٍ لَهُ دَيْلَمِيٍّ: احْتَزَّ رَأْسَهُ.

فَنَزَلَ فَاحْتَزَّهُ.

فَحَمَلَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ.

وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ الرِّقَاعِ الْعَامِلِيُّ، وَكَانَ شَاعِرَ أَهْلِ الشَّامِ يَذْكُرُ قَتْلَ مُصْعَبٍ، وإِبْرَاهِيمَ وَمُسْلِمٍ:

وَنَحْنَ قَتَلْنَا ابْنَ الْحَوَارِيِّ مُصْعَبًا ... أَخَا أَسَدٍ وَالْمَذْحِجِيِّ الْيَمَانِيَا

وَمَرَّتْ عُقَابُ الْمَوْتِ مِنَّا بِمُسْلِمٍ ... فَأَهْوَتْ لَهُ ظَفْرًا فَأَصْبَحَ ثَاوِيَا

قَالَ أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ: وَهَذَا الشِّعْرُ يُرْوَى لِلْبَعِيثِ الْيَشْكُرِيِّ.

وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسِ الرُّقَيَّاتِ يَرْثِي مُصْعَبًا، وَيَذُمُّ أَهْلَ الْعِرَاقِ مِنْ بَكْرٍ وَتَمِيمٍ:

لَقَدْ أَوْرَثَ الْمِصْرَيْنِ خِزْيًا وَذِلَّةً ... قَتِيلٌ بِدَيْرِ الْجَاثَلِيقِ مُقِيمُ

فَمَا قَاتَلَتْ فِي اللَّهِ بَكْرُ بْنُ وَائِلٍ ... وَلا صَبَرَتْ عِنْدَ اللِّقَاءِ تَمِيمُ

فَلَوْ كَانَ قَيْسِيًّا تَعَطَّفَ حَوْلَهُ ... كَتَائِبُ تَرْدِي تَارَةً وَتَحُومُ

وَلَكِنَّهُ رَامَ الْقِيَامَ فَلَمْ يَكُنْ ... بِهَا مُضَرِيٌّ يَوْمَ ذَاكَ كَرِيمُ

وَقَالَ ابْنُ قَيْسِ الرُّقِيَّاتِ، أَيْضًا:

إِنَّ الرَّزِيَّةَ يَوْمَ مَسْكِنَ ... وَالْمُصِيبَةَ وَالْفَجِيعَهْ

يَا ابْنَ الْحَوَارِيِّ الَّذِي ... لَمْ يَعْدُهُ يَوْمُ الْوَقِيعَهْ

يَا لَهْفِ لَوْ كَانَتْ لَهُ ... بِالدَّيْرِ يَوْمَ الدَّيْرِ شِيعَهْ

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرُ: وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ النَّسَبَ مِنْ مَرَاثِيهِ شَيْئًا، وَنَحْنُ ذَاكِرُونَ مَا لَمْ نَذْكُرْهُ فِي كِتَابِ النَّسَبِ.

وَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ خَالِدٍ الْمَخْزُومِيُّ فِي هِجَائِهِ بَنِي خَالِدِ بْنِ أُسَيْدٍ، وَيَمْدَحُ آلَ الزُّبَيْرِ، وَيَذْكُرُ صَبْرَهُمْ فِي الْحَرْبِ:

هَلا صَبَرْتُمْ بَنِي السَّوْدَاءِ أَنْفُسَكُمْ ... حَتَّى تَمُوتُوا كَمَا مَاتَتْ بَنُو أَسَدِ

حَامَتْ بَنُو أَسَدٍ عَنْ مَجْدِ أَوَّلِهَا ... وَأَنْتُمْ كَنَعَامِ الْقَاعَةِ الشَّرِدِ

وَقَالَ سُوَيْدُ بْنُ مَنْجُوفٍ السَّدُوسِيُّ، مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، يُحَذِّرُ مُصْعَبًا أَهْلَ الْكُوْفَةِ وَغَدْرَهُمْ:

فَأَبْلِغْ مُصْعَبًا عَنِّي رَسُولا ... وَلا تَلْقَى النَّصِيحُ بِكُلِّ وَادِ

تَعَلَّمْ أَنَّ أَكْثَرَ مَنْ تُنَاجِي ... وَإِنْ أَدْنَيْتَهُمْ فَهُمُ الأَعَادِي

وَصَبَرَ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الأَشْتَرِ وَحَدَهُ، فَقَالَ: الأُقَيْشِرُ:

سَأَبْكِي وَإِنْ لَمْ يَبْكِ فِتْيَانُ مَذْحِجٍ ... فَتَاهَا إِذَا اللَّيْلُ التَّمَامُ تَأَوَّبَا

فَتًى لَمْ يَكُنْ فِي مِرَّةِ الْحَرْبِ خَامِلا ... وَلا بِمُطِيعٍ فِي الْوَغَى مَنْ تَهَيَّبَا

أَمَالَ بِخَوَّارِ الْعِنَانِ لِجَامَهُ ... وَقَالَ لِمَنْ خَفَّتْ نَعَامَتُهُ ارْكَبَا

أَبَانَ أَنُوفَ الْحَيِّ قَحْطَانَ قَتْلُهُ ... وَأَنْفَ نِزَارٍ قَدْ أَبَانَ فَأَوْعَبَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015