فَأَرْسَلَ مُحَمَّدٌ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ رَجُلا، فَقَالَ: قُلْ لَهُ إِنْ بِشْرًا ضَيَّعَ لِوَاءَهُ فَصَيَّرَ عَبْدُ الْمَلِكِ الأَمْرَ إِلَى مُحَمَّدٍ، وَكَفَّ النَّاسُ، وَتَوَاقَفُوا، وَجَعَلَ أَصْحَابُ ابْنِ الأَشْتَرِ يَهِمُّونَ بِهِمْ، وَمُحَمَّدٌ يَكُفُّهُمْ، فَأَرْسَلَ عَبْدُ الْمَلِكِ إِلَى مُحَمَّدٍ: نَاجِزْهُمْ.

فَأَبَى، فَرَدَّ إِلَيْهِ رَسُولا آخَرَ يَشْتُمُ مُحَمْدًا.

فَأَمَرَ مُحَمَّدٌ رَجُلا، فَقَالَ: قِفْ فِي نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِكَ، فَلا تَدَعَنَّ أَحَدًا يَأْتِينِي مِنْ قِبَلِ عَبْدِ الْمَلِكِ.

فَوَجَّهَ عَبْدُ الْمَلِكِ خَالِدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدِ بْنِ أُسَيْدٍ، فَلَمَّا رَأَوْهُ أَرْسَلُوا إِلَى مُحَمَّدٍ: هَذَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدِ بْنِ أُسَيْدٍ، فَقَالَ: رُدُّوهُ بِأَشَدِّ مَا رَدَدْتُمْ بِهِ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ.

فَلَمَّا كَانَ قُرْبُ الْمَسَاءِ.

قَالَ مُحَمَّدٌ لِلْنَاسِ: حَرِّكُوهُمْ.

فَتَهَايَجَ النَّاسُ، وَوَجَّهَ مُصْعَبٌ إِلَى إِبْرَاهِيمِ عَتَّابَ بْنَ وَرْقَاءَ الرِّيَاحِيَّ، فَعَجَّزَ إِبْرَاهِيمَ بْنَ الأَشْتَرِ، قَالَ: قَدْ قُلْتُ لَهُ.

لا تَمُدَّنِي بِأَحَدٍ مِنْ هَؤُلاءِ.

وَاقْتَتَلُوا، وَأَرْسَلَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الأَشْتَرِ إِلَى النَّاسِ، فَقَالَ: لا تَنْصَرِفُوا حَتَّى يَنْصَرِفَ أَهْلُ الشَّامِ عَنْكُمْ.

فَقَالَ عَتَّابٌ: ولِمَ لا نَنْصَرِفُ؟ فَانْصَرَفَ، وَانْهَزَمَ النَّاسُ حَتَّى أَتَوْا مُصْعَبًا، وَصَبَرَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الأَشْتَرِ حَتَّى قُتِلَ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا أَمَرَ مُحَمَّدٌ رَجُلا، فَقَالَ: انْطَلِقَ إِلَى عَسْكرِ مُصْعَبٍ، فَانْظُرْ كَيْفَ تَرَاهُمْ بَعْدَ قَتْلِ ابْنِ الأَشْتَرِ.

قَالَ: لا أَعْرِفُ مَوْضِعَ عَسْكَرِهِمْ.

فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَرِبَيٍّ الْكِنَانِيُّ: انْطَلِقْ فَإِذَا رَأَيْتَ النَّخْلَ فَاجْعَلْهُ مِنْكَ مَوْضِعَ سَيْفِكَ يَعْنِي يَسَارَكَ، فَانْطَلَقْ حَتَّى تَطَلَّعَ الْعَسْكَرَ.

فَمَضَى الرَّجُلُ حَتَّى أَتَى عَسْكَرَ مُصْعَبٍ.

ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مُحَمَّدٍ، فَقَالَ: رَأَيْتُهُمْ مُنْكَسِرِينَ.

وَأَصْبَحَ مُصْعَبٌ فَدَنَا، وَدَنَا مِنْهُ مُحَمَّدٌ حَتَّى الْتَقَوْا، فَتَرَكَ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِ مُصْعَبٍ مُصْعَبًا، وَأَتَوْا مُحَمَّدًا، فَدَنَا مُحَمَّدٌ، فَقَالَ لِمُصْعَبٍ: فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، إِنَّ الْقَوْمَ خَاذِلُوكَ فَأَبَى.

فَدَعَا ابْنَهُ عِيسَى، فَقَالَ لَهُ: انْظُرْ مَا يُرِيدُ مُحَمَّدٌ.

فَدَنَا فَقَالَ: إِنِّي لَكُمْ نَاصِحٌ، إِنَّ الْقَوْمَ خَاذِلُوكُمْ، وَلَكَ وَلِأَبِيكَ الأَمَانُ.

وَنَاشَدَهُ، فَرَجَعَ إِلَى أَبِيهِ فَأَخْبَرَهُ.

فَقَالَ: إِنِّي أَظُنُّ الْقَوْمَ سَيَفُونَ، فَإِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ فَأْتِهِمْ.

فَقَالَ: لا تُحَدِّثْ نِسَاءَ قُرَيْشٍ أَنِّي خَذَلْتُكَ، وَرَغِبْتُ بِنَفْسِي عَنْكَ.

قَالَ: فَتَقَدَّمْ حَتَّى أَحْتَسِبَكَ.

فَتَقَدَّمَ، وَتَقَدَّمَ نَاسٌ مَعَهُ، فَقُتِلَ وَقُتِلُوا، وَتَرَكَ النَّاسُ مُصْعَبًا حَتَّى بَقِيَ فِي سَبْعَةٍ، وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ لِيَحْتَزَّ رَأْسَ عِيسَى، فَشَدَّ عَلَيْهِ مُصْعَبٌ فَقَتَلَهُ، ثُمَّ شَدَّ عَلَى النَّاسِ فَانْفَرَجُوا، ثُمَّ رَجَعَ فَقَعَدَ عَلَى مِرْفَقَةِ دِيبَاجٍ، ثُمَّ جَعَلَ يَشُدُّ عَلَى أَهْلِ الشَّامِ، فَيَنْفَرِجُونَ عَنْهُ، ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَقْعُدُ عَلَى الْمِرْفَقَةِ، حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ مِرَارًا، وَأَتَاهُ عُبيدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادِ بْنِ ظَبْيَانَ، فَدَعَاهُ إِلَى الْمُبَارَزَةِ، فَقَالَ: اغْرُبْ يَا كَلْبُ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015