فَمْنَ كَانَ أَمْسَى خَائِنًا لِأَمِيرِهِ ... فَمَا خَانَ إِبْرَاهِيمُ فِي الْحَرْبِ مُصْعَبًا
وَصَبَرَ مَعَهُ يَحْيَى بْنُ مُبَشِّرٍ، أَحَدُ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ يَرْبُوعٍ التَّمِيمِيِّ حَتَّى قُتِلَ.
فَقَالَ أَبُو السَّفَّاحِ بُكَيْرُ بْنُ مَعْدَانَ بْنِ عُمَيْرَةَ بْنِ طَارِقٍ الْيَرْبُوعِيُّ يَرْثِي يَحْيَى، وَيَذْكُرُ صَبْرَهُ، حِينَ قُتِلَ:
صَلَّى عَلَى يَحْيَى وَأْشَياعِهُ ... رَبٌّ غَفُورٌ وَشَفِيعٌ مُطَاعْ
يَا سَيِّدًا مَا أَنْتَ مِنْ سَيِّدٍ ... مُوَطَّأِ الْبَيْتِ رَحَيِبِ الذِّرَاعْ
قَوَّالِ مَعْرُوفٍ وَفَعَّالِهِ ... عَقَّارِ مَثْنَى أُمْهَاتِ الرِّبِاعْ
الوَاضِعِ الشِّيزَى لِأَضْيَافِهِ ... كَأَنَّهَا أَعْضَادُ نَهْيٍ بِقَاعْ
يَعْدُو فَلا تَكْذُبُ شَدَّاتُهُ ... كَمَا عَدَا اللَّيْثُ بِوَادِي السِّبَاعْ
يَجْمَعُ حِلْمًا وَأَنَاةً مَعًا ... ثَمَّتَ يَنْبَاعُ انْبِيَاعَ الشُّجَاعْ
لَمَّا جَفَا الْمُصْعَبَ خِلانُهُ ... أَدَّى إِلَيْهِ اللَّيْلُ صَاعًا بِصَاعْ
مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاءَ فَقَدْ سَاءَنِي ... تَرْكُ أَبَيْنَيْكَ إِلَى غَيْرِ رَاعْ
إِلَى أَبِي طَلْحَةَ أَوْ وَاقِدٍ ... وَذَاكَ عِنْدِي حَقُّ عَيْنِ الضِّيَاع
أَبُو طَلْحَةَ وَوَاقِدٌ مَوْلَيَانِ لَيَحْيَى كَانَ أَوْصَى إِلَيْهِمَا، وَأَبُو طَلْحَةَ هَذَا جَدُّ أَبِي النَّضْرِ يَحْيَى بْنِ كَثِيرٍ صَاحِبِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَكَانَ يَحْيَى بْنُ مُبَشِّرٍ مِنْ بَنِي رَبِيعَةَ بْنِ حَصْبَةَ بْنِ أَرْقَمَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ يَرْبُوعٍ.
وَكان مِنْ أَشْرَافِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَكَانَ خَلَيْفَةُ بْنُ حِصْنٍ الثَّعْلَبِيُّ صَاحِبَ شُرَطِ ابْنِ زِيَادٍ بِالْبَصْرَةِ، فَلَمَّا أُتِيَ عبْدُ الْمَلِكِ بِرَأْسِهِ لَمْ يَعْرِفْهُ، فَسَأَلَ عَنْهُ أَصْحَابَهُ، فَعَرَفَهُ الْحَكَمُ بْنُ نُهَيْكٍ الْهُجَيْمِيُّ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هَذَا وَاللَّهِ الْوَفِيُّ الْكَرِيمُ، هَذَا يَحْيَى بْنُ مُبَشِّرٍ الْيَرْبُوعِيُّ، فَأَمَرَ بهِ فَأُجِنَ، فَقَالَ جَرِيرُ بْنُ الْخَطَفِيُّ يَرْثِيهِ:
صَلَّى الِإِلهُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ مُبَشِّرٍ ... أَمَّا ثَويْتَ بِمُلْتَقَى الأَجْنَادِ
وَالْخَيْلُ سَاطِعَةُ الْغُبَارِ كَأَنَّهَا ... قَصَبٌ يُحَرَّقُ أَوْ رَعَيْلُ جَرَادِ
ثَبْتُ الطِّعَانِ إِذَا الْكُمَاةُ أَزَلَّهَا ... عَرَقُ الْمَنُونِ يَجُلْنَ بِالأَلْبَادِ
مَأْوَى الْجِيَاعُ إِذَا السِّنُونُ تَتَابَعَتْ ... وَفَتَى الطِّعَانِ عَشِيَّةَ الْعَصْوَادِ
وَقَالَ سَالِمُ بْنُ وَابِصَةَ الأَسَدِيِّ يَمْدَحُ مُحَمَّدَ بْنَ مَرْوَانَ، وَيَذْكُرُ قَتْلَهُ إِبْرَاهِيمَ وَمُصْعَبًا:
أَبْلِغْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ رِسَالَةً ... لَيْسَ الْمُحَامِرُ كَالْجَوَادِ الْمُسَهِبِ
فَاذْكُرْ وَلا تَجْعَلْ بَلاءَ مُحَمَّدٍ ... وَالْخَاذِلِيكَ لَدَى الْحُرُوبِ كَجُنْدَبِ
يُدْعَا إِذَا مَا الْجَيْشُ أُحْسِنَ أَدْمُهُ ... وَإِذَا يَكُونُ كَرِيهُهُ لَمْ يُنْدَبِ
لا تَجْعَلَنَّ مُؤثِّلا ذَا أُسْرَةٍ ... ضَخْمًا سُرَادِقُهُ وَطِيءَ الْمَرْكَبِ
يَغْدُو إِذَا مَا الْحَرْبُ أُطْفِئَ نَارُهَا ... وَيَرُوحُ مَزْهُوًّا عَظِيمَ الْمَوْكِبِ
يَتَّخِذُ السُّيُوفَ سُرَادِقًا ... يَمْشِي بِرَايَتِهِ كَمَشْيِ الأَنْكَبِ
فَتَحَ الْإِلَهُ بِشِدَّةٍ لَكَ شَدَّهَا ... مَا بَيْنَ مَشْرِقِهَا وَبيْنَ الْمَغْرِبِ
لَمَّا لَقِينَا أَهْلَ مَسْكِنَ غُدْوَةً ... كَالطَّوْدِ فِي مُتَهَوِّلٍ مُتَنَكِّبِ
تَعْدُو جِيَادُهُمُ بِكُلِّ مُقَصِّصٍ ... جُدُدِ الثِّيَابِ وَحَنْظَلِيٍّ مُذْنَبِ
وَمُحَزِّزِينَ لِحَاهُمُ خَشَبِيَّةٍ ... قَتْلاهُمُ مَجْهُولَةٌ لَمْ تُنْسَبِ