قَالَ: فَقَدَّمَ مُحَمَّدَ بْنَ مَرْوَانَ، وَمَعَهُ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدِ بْنِ أُسَيْدٍ، وَبِشْرُ بْنُ مَرْوَانَ، وَنَادَى مُنَادٍ، إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدِ اسْتَعْمَلَ عَلَيْكُمْ سَيِّدَ النَّاسِ مُحَمَّدَ بْنَ مَرْوَانَ، وَبَلَغَ مُصْعَبَ بْنَ الزُّبَيْرِ مَسِيرُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، فَأَرَادَ الْخُرُوجَ، فَأَبَى عَلَيْهِ أَهْلُ الْبَصْرَةِ، وَقَالُوا: عَدُوُّنَا مُطِلٌّ عَلَيْنَا، يَعْنُونَ الْخَوَارِجَ، فَأَرْسَلَ إِلَى الْمُهَلَّبِ وَهُوَ بِالْمَوْصِلِ، عَامِلُهُ عَلَيْهَا، فَوَلاهُ قِتَالَ الْخَوَارِجِ، وَخَرَجَ مُصْعَبٌ، فَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ، وَكَانَ مُصْعَبٌ يَخْرُجُ إِلَى باجُمَيْرَا يُرِيدُ الشَّامَ ثُمَّ يَرْجِعُ، وَأَوَّلُهَا: أَبَيْتَ يَا مُصْعَبُ إِلا سَيْرا
أَكُلَّ عَامٍ لَكَ بَاجُمَيْرَا ... تَغْزُو بِنَا وَلا تُفِيدُ خَيْرَا
فَأَقْبَلَ عَبْدُ الْمَلِكِ حَتَّى نَزَلَ الأَخْنَوْنِيَّةَ، وَنَزَلَ مُصْعَبٌ بِمَسْكِنَ إِلَى جَنْبِ أَوَانَا، وَخَنْدَقَ خَنْدَقًا، ثُمَّ تَحَوَّلَ، وَنَزَلَ دَيْرَ الْجَاثَلِيقِ، وَهُوَ بِمَسْكِنَ، وَبَيْنَ الْعَسْكَرَيْنِ ثَلاثَةُ فَرَاسِخَ، وَيُقَالُ: فَرْسَخَانِ.
فَقَدَّمَ عَبْدُ الْمَلِكِ مُحَمَّدَ بْنَ مَرْوَانَ، وبِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى جُنْدٍ، وَالأَمِيرُ مُحَمَّدٌ.
وَوَجَّهَ مُصْعَبٌ عَلَى مُقَدِّمَتِهِ إِبْرَاهِيمَ بْنَ الأَشْتَرِ.
وَكَتَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ إِلَى أَشْرَافِ أَهْلِ الْعِرَاقِ يَدْعُوهُمْ إِلَى نَفْسِهِ، وَيُمَنِّيهِمْ، فَأَجَابُوهُ وَاشْتَرَطُوا عَلَيْهِ شُرُوطًا، وَسَأْلُوهُ وِلايَاتٍ، وَسَأَلَهُ أَرْبَعُونَ رَجُلا مِنْهُمْ أَصْبَهَانَ.
فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: مَا أَصْبَهَانُ هَذِهِ؟ تَعَجُّبًا مِنْ كَثْرَةِ مَنْ يَطْلُبُهَا.
وَكَتَبَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ بْنِ الأَشْتَرِ: لَكَ وَلايَةُ مَا سَقَى الْفُرَاتُ إِنْ بَايَعْتَنِي، فَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ بِالْكِتَابِ إِلَى مُصْعَبٍ، فَقَالَ: هَذَا كِتَابُ عَبْدِ الْمَلِكِ إِلَيَّ، وَلَمْ يَخُصَّنِي بِهَذَا دُونَ غَيْرِي مِنْ نُظَرَائِي، فَأَطِعْنِي فِيهِمْ.
قَالَ: أَصْنَعُ مَاذَا؟ قَالَ: تَدْعُو بِهِمْ فَتَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ.
قَالَ: أَقْتُلُهُمْ عَلَى ظَنٍّ ظَنَنْتُهُ؟ قَالَ: فَأَوْقِرْهُمْ حَدِيدًا، وَابْعَثْ بِهِمْ إِلَى أَبْيَضِ الْمَدَائِنِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْحَرْبُ.
قَالَ: إِذًا تَفْسَدُ قُلُوبُ عَشَائِرِهِمْ، وَيَقُولُ النَّاسُ: عَبَثَ مُصْعَبٌ بِأَصْحَابِهِ.
قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ وَاحِدَةً مِنْ هَاتَيْنِ، فَلا تَمُدَّنِي بِهِمْ، فَإِنَّهُمْ كَالْمُومِسَةِ تُرِيدُ كُلَّ يَوْمٍ خَلِيلا، وَهُمْ يُرِيدُونَ كُلَّ يَوْمٍ أَمِيرًا.
وَأَرْسَلَ عَبْدُ الْمَلِكِ رَجُلا إِلَى مُصْعَبٍ، فَقَالَ: أَقْرِئِ ابْنَ أُخْتِكَ السَّلامَ، وَقُلْ لَهُ: يَدَعُ أَنْ يَدْعُوَ إِلَى أَخِيهِ، وَأَدَعُ أَنْ أَدْعُوَ إِلَى نَفْسِي، وَأُصَيِّرُ الأَمْرَ شُورَى.
فَأَتَاهُ فَأَبْلَغَهُ فَأَبَى، فَقَدَّمَ عَبْدُ الْمَلِكِ أَخَاهُ مُحَمَّدَ بْنَ مَرْوَانَ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ انْصُرْ مُحَمْدًا، اللَّهُمَّ إِنْ مُصْعَبًا يَدْعُو إِلَى عَبْدِ اللَّهِ وَأَدْعُو إِلَى نَفْسِي، اللَّهُمَّ انْصُرْ خَيْرَنَا لِهَذِهِ الأُمَّةِ.
وَقَدَّمَ مُصْعَبٌ إِبْرَاهِيمَ بْنَ الأَشْتَرِ فَالْتَقَتِ الْمُقَدَّمَتَانِ، وَبَيْنَ عَسْكَرِ مُصْعَبٍ وَبَيْنَ ابْنِ الأَشْتَرِ فَرْسَخٌ، وَدَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ فَصَارَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَسْكَرِ مُحَمَّدٍ فَتَنَاوَشُوا، فَقُتِلَ رَجُلٌ عَلَى مُقَدَّمَةِ مُحَمَّدٍ، يُقَالُ لَهُ: فِرَاسٌ.
وَقُتِلَ صَاحِبُ لِوَاءِ بِشْرٍ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: أُسَيْدٌ.