قَالَ: فَمَاتَ أَبِي، فَأَرَدْتُ التَّزْوِيجَ، فَجِئْتُ شَيْخًا مِنْ قَوْمِي، فَجَلَسْتُ فِي نَادِيهِ، فَلَمَّا قَامَ مَنْ عِنْدَهُ، قَالَ: أَلَكَ حَاجَةٌ يَابْنَ أَخِي؟ قُلْتُ: نَعَمْ يَا عَمُّ، إِنِّي أَرَدْتُ التَّزْوِيجَ.

قَالَ: أَطَوِيلَةُ النَّسَبِ أَمْ قَصِيرَتُهُ؟ قُلْتُ: فَوَاللَّهِ مَا اخْتَرْتُ وَلا أَدَّبْتُ.

فَقَالَ: إِنِّي أَعْرِفُ فِي الْعَيْنِ إِذَا عَرَفْتَ، وَأَعْرِفُ فِي الْعَيْنِ إِذَا أَنْكَرْتَ، وَأَعْرِفُ فِي الْعَيْنِ إِذَا لَمْ تَعْرِفْ، وَلَمْ تُنْكِرْ.

فَأَمَّا إِذَا عَرَفْتَ فَإِنَّهَا تُحَاوِصُ لِلْمَعْرِفَةِ، وَأَمَّا إِذَا أَنْكَرْتَ فَإِنَّهَا تَجْحَظُ لِلنُّكْرَةِ، وَإِذَا لَمْ تَعْرِفْ وَلَمْ تُنْكِرْ فَإِنَّهَا تَسْجُوا سَجْوًا.

يَا ابْنَ أَخِي إِيَّاكَ أَنْ تَزَوَّجَ إِلَى قَوْمٍ أَهْلِ دَنَاءَةٍ، أَصَابُوا مِنَ الدُّنْيَا غَثَرَةً، فَتُشْرِكُهُمُ فِي دَنَاءَتِهِمْ، وَيَسْتَأْثِرُونَ عَلَيْكَ بِدُنْيَاهُمْ.

فَقُمْتُ وَقَدِ اكْتَفَيْتُ سَمِعْتُ عَمِّي مُصْعَبًا، يَقُولُ: قَالَ مَالِكُ بْنُ أَسْمَاءَ لِهِنْدٍ: " أَعْطِنِي صَفْةَ مُسُوحِكِ.

قَالَتْ: لا أُعْطِيكَهُ تُعَلِّمُهُ جَوَارِيَكَ وَلا حَيَاءَ لَهُنَّ، فَأَلَحَّ عَلَيْهَا.

فَقَالَتْ: مَا أَخَذْتُهُ إِلا مِنْ شِعْرِكَ، حَيْثُ تَقُولُ:

أَطْيَبُ الطِّيبِ طِيبُ أُمُّ أَبَانٍ ... فَأرُ مِسْكٍ بِزَنْبَقٍ مَفْتُوقُ

خَلَّطَتْهُ بِعَنْبَرٍ وَبِنَدٍّ ... فَهُوَ أَحْوَى عَلَى الْيَدَيْنِ شَرِيفُ

قَالَ لِي عَمِّي: وَهِيَ مُسُوحُ أُمِّكَ

أَخْبَرَنِي ثَابِتُ بْنُ الزُّبَيْرِ بْنِ هَاشِمٍ، قَالَ: " قَدِمَ الْمَأْمُونُ مِنْ خُرَاسَانَ مَعَهُ بِشَاعِرٍ، فَلَقِيَهُ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ: مَنْ أَشْعَرُ أَنَا أَوْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنْتَ أَشْعَرُ وَأَوْلَى بِالتَّقْدِمَةِ، وَوَقَّرَهُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ: كَمْ تَقُولُ فِي اللَّيْلَةِ مِنْ بَيْتٍ؟ قَالَ: رُبَّمَا أَقَمْتُ عَلَى الْقَصِيدَةِ لا تَكُونُ ثَلاثِينَ بَيْتًا شَهْرًا.

قَالَ: فَأَنَا أَشْعَرُ مِنْكَ، رُبَّمَا دَعَوْتُ الْجَارِيَةَ، فَأَمْلَيْتُ عَلَيْهَا خَمْسَ مِائَةِ بَيْتٍ.

قَالَ: فَحَمِيَ الْخُرَاسَانِيُّ، وَقَالَ: لَوْ كُنْتُ أَرْضَى مِثْلَ شِعْرِكَ لَقُلْتُ فِي لَيْلَةٍ خَمْسَةَ آلافِ بَيْتٍ.

قَالَ: مِثْلُ أَيُّ شِعْرٍ؟ قَالَ: مِثْلُ قَوْلِكَ:

أَلا يَا عُتْبَةُ السَّاعَهْ ... أَمُوتُ السَّاعَةَ السَّاعَهْ

قَالَ: فَاسْتَضْحَكَ الْقَوْمُ مِنْهُ

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَخْزُومِيُّ، قَالَ: " حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ إِخْوَانِي مِنَ الزُّهَّادِ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَجُلٍ مِنَ الْعُبَّادِ، يُقَالُ لَهُ: دَهْثَمٌ، وَالأَرْضُ تَكَادُ تَخْشَعُ لِخُشُوعِهِ، فَإِذَا نَحْنُ بِرَجُلٍ يَضْرِبُ عَبْدًا لَهُ بِسَوْطٍ، فَوَعَظَهُ دَهْثَمٌ، فَقَلَبَ السَّوْطَ، فَوَضَعَهُ بَيْنَ أُذُنَيْهِ، فَأَسْرَعْنَا وَنَحْنُ نُرِيدُ أَنْ نَبْلُغَ مِنْهُ.

فَقَالَ لَنَا دَهْثَمٌ: مَهْلا فَإِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ رَضِيَ وَصِيَّةَ عَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ حَيْثُ قَالَ: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ {17} } [لقمان: 17] ، فَقَدْ أَمَرَنَا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَانَا عَنِ الْمُنْكَرِ، فَدَعُونِي أَصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَنِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015