قَالَ هَذِهِ الْقَصِيدَةَ ثُمَّ دَخَلَ عَلَى بَنِي الْحَارِثِ بْنِ أَبِي شِمْرٍ الْجَفْنِيِّ، فَأَنْشَدَهُ، فَأُعْجِبَ بِهِ، وَاسْتَوْهَبَ مِنْهُ أَسْرَى قَوْمِهِ، فَوَهَبَهُمْ لَهُ، وَكَانَ مَنْ وَهَبَ لَهُ مِنْهُمْ بَنِي امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ عَدِيٍّ ثُمَّ أَنْزَلَهُ عِنْدَهُ، وَأَمَرَ بِحُسْنِ ضِيَافَتِهِ وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ، وَبِتَعَهُّدِهِ، فَحُمِلَ إِلَيْهِ الطَّعَامُ وَالْخَمْرُ.

فَقَالَ لَهُ مِلْحَانُ: أَتَشْرَبُ الْخَمْرَ وَقَوْمُكَ أَسْرَى فِي الأَغْلالِ؟ سَلْهُ أَنْ يَمُنَّ عَلَيْهِمْ، وَيَهَبَهُمْ.

فَدَخَلَ عَلَى النُّعْمَانِ الثَّانِيَةَ، وَقَالَ قَصِيدَةً أُخْرَى، فَأَنْشَدَهُ إِيَّاهَا:

إِنَّ امْرَأَ الْقَيْسِ أَضْحَتْ مِنْ صَنَائِعَكُمْ ... وَعَبْدَ شَمْسٍ أَبَيْتَ اللَّعْنَ فَاصْطَنِعِ

إِنَّ عَدِيًّا إِذَا مَلَّكْتَ جَانِبَهَا ... مَنْ أَمْرِ غَوْثٍ عَلَى مَرْأًى وَمُسْتَمَعِ

وَقَالَ أَيْضًا:

أَتْبِعْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ أَمْرَ إِخْوَتِهِمْ ... أَهْلِي فِدَاؤُكَ إِنْ ضَرُّوا وَإِنْ نَفَعُوا

لا تَجَعَلَّنَا أَبَيْتَ اللَّعْنَ ضَاحِيَةً ... كَمَعْشَرٍ صُلِمُوا الْآذَانَ أَوْ جُدِعُوا

أَوْ كَالْجَنَاحِ إِذَا شُلَّتْ قَوَادِمُهُ ... صَارَ الْجَنَاحُ لِفَضْلِ الرِّيشِ يَتَّبِعُ

فَأَطْلَقَ لَهُ النُّعْمَانُ بْنُ الْحَارِثِ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، وَهُمْ بَنُو عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ أَخْزَمَ بْنِ أَبِي أَخْزَمَ، وَبَقَيَ قَيْسُ بْنُ جَحْدَرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ رَضِيِّ بْنِ مَالِكِ بْنِ ذُبْيَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ جَرْوَلٍ الأَجَئِيُّ، وَأَمُّهُ مِنَ بَنِي عَدِيٍّ، وَهُوَ جَدُّ الطِّرِمَّاحِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ نَفَرِ بْنِ قَيْسِ بْنِ جَحْدَرٍ، فَقَالَ لَهُ النُّعْمَانُ: أَبَقِيَ أَحَدٌ مِنْ قَوْمِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَأَنْشَدَهُ حَاتِمٌ:

فَكَكْتَ عَدِيًّا كُلَّهَا مِنْ إِسَارِهَا ... فَأَفْضِلْ وَشَفِّعْنِي بِقَيْسِ بْنِ جَحْدَرِ

أَبُوهُ أَبُونَا فَارْعٌ وَالأُمُّ أُمُّنَا ... فَأَنْعِمْ فَدَتْكَ النَّفْسُ نَفْسِي وَمَعْشَرِي

فَقَالَ لَهُ النُّعْمَانُ: هُوَ لَكَ، وَوَهَبَهُ لَهُ مَعَ جَمْيِعِ مَنْ أَسَرَ مِنْ قَوْمِهِ.

فَقَالَ حَاتِمٌ يَمْدَحُ النُّعْمَانَ بْنَ الْحَارِثِ، وَيَذْكُرُ مَا مَنَّ عَلَيْهِ مِنْ فِكَاكَ قَوْمِهِ، وَهِبَتِهِ إِيَّاهُمْ لَهُ:

أَبْلِغِ الْحَارِثَ بْنَ عَمْرٍو بِأَنِّي ... حَافِظُ الْوُدِّ مُرصِدٌ لِلثَّوَابِ

وَمُجِيبٌ دُعَاءَهُ إِنْ دَعَانِي ... عَجِلا وَاحِدًا وَذَا أَصْحَابِ

إِنَّمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ فَاعْلَمْ ... سَيْرُ تَسْعٍ لِلْعَاجِلِ الْمُنْتَابِ

فَثَلاثٌ مِنَ الشَّرَاةِ إِلَى الَحْالَةِ ... لِلْخَيْلِ جَاهِدًا وَالرِّكَابِ

وَثَلاثٌ يَرِدْنَ تَيْمَاءَ رَهْوًا ... وَثَلاثٌ يُغِرْنَ بِالْإِعْجَابِ

فَإِذَا مَا مَرَرْتَ فِي مُسْبَطَرٍّ ... فَأَجْمَحَ الْخَيْلُ مِثْلَ جَمْحِ الْكِعَابِ

بَيْنَمَا ذَاكَ أَصْبَحَتْ وَهْيَ عَضُدَى ... مِنْ سَبِيٍّ مَجْمُوعَةٍ وَنِهَابِ

لَيْتَ شِعْرِي مَتَى أَرَى قُبَّةً ... ذَاتَ قِلاعٍ لِلْحَارِثِ الْحَرَّابِ

فِي يَفَاعٍ وَذَاكَ مِنْهَا مَحَلٌّ ... فَوْقَ مَلْكٍ يُدِينُ بِالأَحْسَابِ

أَيُّهَا الْمُوعِدِيُّ فَإِنَّ لَبُونِي ... بَيْنَ حَقْلٍ وَبَيْنَ هَضَبٍ ذُبَابِ

حَيْثُ لا أَرْهَبُ الْعَدُوَّ وَحَوْلِي ... مِنْ هِضَابٍ مَحْفُوفَةٍ بِهِضَابِ

أَنْشَدَنِي عَمِّي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، لِحَاتِمٍ الطَّائِيِّ:

أَلا أَرِقَتْ عَيْنِي فَبِتُّ أُدِيرُهَا ... حِذَارَ غَدٍ وَأَحَجُّ أَلا يَضِيرُهَا

إِذَا النَّجْمُ أَمْسَى مَغْرِبَ الشَّمْسِ مَائِلا ... وَلَمْ يَكُ بِالْآفَاقِ بَرْقٌ يُنِيرُهَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015