وَيْهًا فِدًى لَكُمُ أُمِّي وَمَا وَلَدَتْ ... حَامُوا عَلَى مَجْدِكُمْ وَاكْفُوا مَنِ اتَّكَلا

إِذْ غَابَ مَنْ غَابَ عَنْهُمْ مِنْ عَشِيرَتِنَا ... وَأَبْدَتِ الْحَرْبُ نَابًا كَالِحًا عَصِلا

اللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي ذُو مُحَافَظَةٍ ... مَا لَمْ يَخُنِّي خَلِيلِي يَبْتَغِي بَدَلا

فَإِنْ تَبَدَّلَ أَلْفَانِي أَخَا ثِقَةٍ ... عَفَّ الْخَلِيقَةِ لا نِكْسًا وَلا وَكِلا

قَالَ: وَأَنْشَدَنِي عَمِّي أَيْضًا:

أَنَا الْمُفِيدُ حَاتِمُ بْنُ سَعْدٍ ... أُعْطِي الْجَزِيلَ وَأَفِي بِالْعَهْدِ

وَشِيمَتِي الْبَذْلُ وَصِدْقُ الْوَعْدِ ... وَأَشْتَرِي الْحَمْدَ بِفِعْلِ الْحَمْدِ

أَوْرَثَنِي الْمَجْدَ بُنَاةُ الْمَجْدِ ... أَبِي وَجَدِّي حَشْرَجٌ ذُو الْوَفْدِ

هَلا سَأَلْتِ الْوَفْدَ عَنِّي وَحْدِي ... كَيْفَ طِعَانِي بِالْقَنَا وَشَدِّي

وَكَيْفَ ضَرْبِي بِالْحُسَامِ الْفَرْدِ ... وَكَيْفَ بَذْلِي الْمَالَ غَيْرَ كَدِّي

وَكَيْفَ تِضْيَافِي وَكَيْفَ قَصْدِي ... وَكَيْفَ إِطْلاقِي وَكَيْفَ رِفْدِي

وَأَنْشَدَنِي لَهُ أَيْضًا:

لا تَسْتُرِي قِدْرِي إِذَا مَا طَبْخَتِهَا ... عَلَيَّ إِذَا مَا تَطْبُخِيهِ حَرَامِ

وَلَكِنْ بِهَذَاكَ الْيَفاعِ فَأَوْقِدِي ... بِجَزْلٍ إِذَا أَوْقَدْتِ لا بِضَرامِ

حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُؤَمَّليُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، قَالَ: أَغَارَتْ طَيِّئٌ عَلَى إِبِلِ النُّعْمَانِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي شِمْرٍ الْجَفْنِيِّ، وَقَتَلُوا ابْنًا لَهُ، وَكَانَ الْحَارِثُ إِذَا غَضِبَ حَلَفَ لَيَقْتُلَنَّ وَلَيَسْبِيَنَّ الذَّرَارِيَّ، فَحَلَفَ لَيَقْتُلَنَّ مَنَ الْغَوْثِ بْنِ طَيِّئٍ أَهْلَ بَيْتٍ جَمِيعًا، حَتَّى لا يُبْقِي مِنْهُمْ مُقَاتِلا، عَلَى دَمٍ وَاحِدٍ.

فَخَرَجَ يُرِيدُ طَيِّئًا، فَأَصَابَ مِنْ بَنِي عَدَيِّ بْنِ أَخْزَمَ، قَتَلَ مِنْهُمْ سَبْعِينَ رَجُلا، وَأَصَابَ رَئِيسَهُمْ، وَهَمَ بْنَ عَمْرٍو، وَأَصَابَ رَهْطَ حَاتِمٍ، وَحَاتِمٌ يَوْمَئِذٍ بِالْحِيرَةِ، عِنْدَ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ، فَأَصَابَتْهُمْ مُقَدِّمَاتُ خَيْلِهِ، فَلَمَّا قَدِمَ حَاتِمٌ الْجَبَلَيْنِ، حَمَلَتِ الْمَرْأَةُ الصَّبِيَّ مِنْ وَلَدَهِا، فَتَقُولُ: يَا حَاتِمُ أُسِرَ أَبُو هَذَا، وَجَعَلَتِ النِّسَاءُ تُكْثِرُ عَلَيْهِ.

فَلَمْ يَلْبِثْ إِلا لَيْلَةً حَتَّى سَارَ إِلَى النُّعْمَانِ، وَمَعَهُ مِلْحَانُ بْنُ حَارِثَةَ، وَكَانَ لا يُسَافِرُ إِلا وَهُوَ مَعَهُ، فَقَالَ حَاتِمٌ:

إِلا أَنْنِي قَدْ هَاجَنِي اللَّيْلَةَ الذِّكْرُ ... وَمَا ذَاكَ مِنْ حُبِّ النِّسَاءِ وَلا الأَشَرْ

وَلَكِنَّهُ مِمَّا أَصَابَ عَشِيرَتِي ... وَقَوْمِي بِأَقْرَانٍ، حَوَالَيْهِمُ الصِّيَرْ

لَيَالِيَ نُمْسِي بَيْنَ جَوٍّ وَمِسْطَحٍ ... نَشَاوَى لَنَا مِنْ كُلِّ سَائِمَةٍ جَزَرْ

فَيَا لَيْتَ خَيْرَ النَّاسِ حَيًّا وَمَيَّتًا ... يَقُولُ لَنَا خَيْرًا وَيَمْضِي الَّذِي ائْتَمَرْ

فَإِنْ كَانَ شَرًّا فَالْعَزَاءُ فَإِنَّنَا ... عَلَى وَقِعَاتِ الدَّهْرِ مِنْ قَبْلِهَا صُبَرْ

سَقَى اللَّهُ رَبُّ النَّاسِ سَحًّا وَدِيمَةً ... جَنُوبَ السَّراةِ مِنْ مَآبٍ إِلَى زُغَرْ

بِلادَ امْرِئٍ لا يَعْرِفُ الذَّمُّ بَيْتَهُ ... لَهُ الْمَشْرَبُ الصَّافِي وَلا الْمَطْعَمُ الْكِدَرْ

تَذَكَّرْتُ مِنْ وَهْمِ بْنِ عَمْرٍو جَلادَةً ... وَجُرْأَةَ مَغْدَاهُ إِذَا صَارِخٌ بِكَرْ

فَأَبْشِرْ وَقرَّ الْعَيْنَ مِنْكَ فَإِنَّنِي ... أُحَيِّي كَرِيمًا لا ضَعِيفًا وَلا حَصِرْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015