حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ صَالِحٍ، قَالَ: " كَانَتْ أُمُّ حَاتِمٍ ذَاتَ يَسَارٍ، وَأَسْخَى النَّاسِ، وَأَقْرَاهُمْ لِضَيْفٍ، كَانَتْ لا تُلِيقُ شَيْئًا تَمْلِكُهُ، وَاسْمُهَا غَنِيَّةُ بِنْتُ عَفِيفِ بْنِ امْرئِ الْقَيْسِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ أَخْزَمَ، فَلَمَّا رَأَى إِخْوَتُهَا إِتْلافَهَا حَجَرُوا عَلَيْهَا، وَمَنَعُوهَا مَالَهَا، حَتَّى إِذَا ظَنُّوا أَنَّهَا قَدْ وَجَدَتْ ذَلِكَ أَعْطَوْهَا صِرْمَةً مِنْ إِبِلِهَا، فَجَاءَتْهَا امْرَأَةٌ مِنْ هَوَازِنَ، كَانَتْ تَأْتِيهَا كُلَّ سَنَةٍ تَسْأَلُهَا، فَقَالَتْ لَهَا: دُونَكِ هَذِهِ الصِّرْمَةُ خُذِيهَا، فَوَاللَّهِ لَقَدْ عَضَّنِي مِنَ الْجُوعِ شَيْءٌ لا أَمْنَعُ مَعَهُ سَائِلا أَبَدًا، ثُمَّ أَنْشَأَتْ تَقُولُ:
لَعَمَرْيِ لَقَدْ مَا عَضَّنِي الْجُوعُ عَضَّةً ... فَآلَيْتُ أَلا أَمْنَعَ الدَّهْرَ جَائِعًا
فَمَاذَا عَسَيْتُمْ أَنْ تَقُولُوا لِأُخْتِكُمْ ... سِوَى عَذْلِكُمْ أَوْ عَذْلِ مَنْ كَانَ مَانِعًا
فَقُولا لِهَذَا اللائِمِي الْيَوْمَ: أَعْفِنِي ... وَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَفْعَلْ فَعَضَّ الأَصَابِعَا
وَلا مَا تَرَوْنَ الْيَوْمَ إِلا طَبِيعَةً ... فَكَيْفَ بِتَرْكِي يَا ابْنَ أُمِّ الطَّبَائِعَا
أَنْشَدَنِي عَمِّي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ لِحَاتِمٍ:
وَعاذِلَةٍ هَبَّتْ بِلَيْلٍ تَلُومُنِي ... وَقَدْ غَابَ عَيِّوقُ الثُّرَيَّا فَعَرَّدَا
تَلُومُ عَلَى إِعْطَائِيَ الْمَالَ ضِلَّةً ... إِذَا ضَنَّ بِالْمَالِ الْبَخِيلُ وَصَرَّدَا
تَقَوُلُ: أَلا أمْسِكْ عَلَيْكَ فَإِنَّنِي ... أَرَى الْمَالَ عِنْدَ الْمُمْسِكِينَ مُعَبَّدَا
ذَرِينِي وَمَالِي إِنَّ مَالَكِ وَافِرٌ ... وَكُلُّ امْرِئٍ جَارٍ عَلَى مَا تَعَوَّدَا
وإِلا فَكُفِّي بَعْضَ لَوْمِكِ وَاجْعَلِي ... إِلَى رَأَيِ مَنْ تَلْحِينَ رَأْيَكِ مُسْنَدَا
أَلَمْ تَعْلَمِي أَنِّي إِذَا الضَّيْفُ نَابَنِي ... وَعَزَّ الْقِرَى أَقْرِي السَّدِيفَ الْمُسَرْهَدَا
وَأَنِّي لِأَعْرَاضِ الْعَشِيرَةِ حَافِظٌ ... وَحَقِّهِمْ حَتَّى أَكُونَ مُسَوَّدَا
يَقُولُونَ لِي: أَهْلَكْتَ مَالَكَ فَاقْتَصِدْ ... وَمَا كُنْتُ لَوْلا مَا تَقُولُونَ مُفْسِدَا
كُلُوا الْيَوْمَ مِنْ رِزْقِ الْعِبَادِ وَأَبْشِرُوا ... فَإِنَّ عَلَى الرَّحْمَنِ رِزْقَكُمُ غَدَا
سَأَذْخُرُ مِنْ مَالِي دِلاصًا وَسَابِحًا ... وَأَسْمَرَ خَطِّيًّا وَعَضْبًا مُهَنَّدَا
فَذَلِكَ يَكْفِينِي مِنَ الْمَالِ كُلِّهِ ... مَصُونًا إِذَا مَا كَانَ عِنْدِي مُتَلِّدَا
قَالَ: وَأَنْشَدَنِي لَهُ:
مَهْلا نَوَارُ، أَقِلِّي اللَّوْمَ وَالْعَذَلا ... وَلا تَقُولِي لِشَيْءٍ فَاتَ مَا فَعَلا؟
وَلا تَقُولِي لِمَالٍ كُنْتُ أُهْلِكُهُ ... مَهْلا وَإِنْ كُنْتُ أُعْطِي الْجِنَّ وَالْخَبَلا
يَرَى الْبَخِيلُ سَبِيلَ الْمَالِ وَاحِدَةً ... إِنَّ الْجوَادَ يَرَى فِي مَالِهِ سُبُلا
إِنَّ الْبَخِيلَ إِذَا مَا مَاتَ يِتْبَعُهُ ... سُوءُ الثَّنَاءِ وَيَحْوِي الْوَارِثُ الْإِبِلا
اصْدُقْ حَدِيثَكَ إِنَّ الْمَرْءَ يَتْبَعُهُ ... مَا كَانَ يَبْنِي إِذَا مَا نَعْشُهُ حُمِلا
لا تَعْذِلِينِي عَلَى مَالٍ وَصَلْتُ بِهِ ... رَحْمًا وَخَيْرُ سَبِيلِ الْمَالِ مَا وَصَلا
يَسْعَى الْفَتَى وَحِمَامُ الْمَوْتِ مُدْرِكُهُ ... وَكُلُّ يَوْمٍ يُدَنِّي لِلْفَتَى أَجَلا
إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنِّي سَوْفَ يُدْرِكُنِي ... يَوْمِي وَأُصْبِحُ عَنْ دُنَيَايَ مُشْتَغِلا
فَلَيْتَ شِعْرِي وَلَيْتٌ غَيْرُ مُدْرَكَةٍ ... بِأَيِّ حَالٍ تُرَى أَضْحَى بَنُو ثُعَلا
اغْزُوا بَنِي ثُعَلٍ فَالْغَزْوُ جَدُّكُمُ ... عُدُّوا الرَّوَابِي وَلا تَبْكُوا لِمَنْ قُتِلا