فَقَالَ: أَقْرِئِي عَلَى مَوْلاتِكِ السَّلامَ، وَقُولِي لَهَا هَذَا الَّذِي أَمَرْتُكِ أَنْ تُطَلِّقِي فِيهِ حَاتِمًا، وَمَا عِنْدِي نَابٌ مُسِنَّةٌ قَدْ تَرَكَتِ الْعَمَلَ، فَاسْتَحَقَّتِ النَّحْرَ، وَمَا كُنْتُ لِأَنْحَرَ صَغِيرةً بِشَحْمِ كُلاهَا مُقْبِلَةٌ لِلْخَيْرِ.
وَمَا عِنْدِي مِنَ اللَّبنِ مَا يَكْفِي أَضْيَافَ حَاتِمٍ.
فَرَجَعَتْ فَأَخْبَرَتْهَا بِمَا سَمِعَتْ مِنْهُ وَمَا رَأَتْ، وَمَا رَدَّ عَلَيْهِ، فَقَالَتْ: وَيْحَكِ اطْلُبِي حَاتِمًا بِالْوَادِي، فَإِنْ وَجَدْتِيهِ، فَقُولِي: إِنْ أَضْيَافَكَ قَدْ نَزَلُوا بِنَا اللَّيْلَةَ، وَهُمْ يَرَوْنَ أَنَّكَ فِي مَنْزِلِكَ كَمَا كُنْتَ، فَأَرْسِلْ إِلَيْنَا بِنَابٍ نُقْرِهِمْ وَلَبَنٍ نَغْبِقْهُمْ، فَإِنَّمَا هِيَ اللَّيْلَةُ حَتَّى يَعْرِفُوا حَالَكَ.
فَأَتَتِ الْجَارِيَةُ الْوَادِيَ فَصَرَخَتْ بِهِ، فَسَمِعَ صَوْتَهَا، فَقَالَ مُجِيبًا لَهَا: لَبَّيْكِ، قَرِيبًا دَعَوْتِ، فَانْتَبَهَتْ إِلَيْهِ، فَقَالَتْ: إِنَّ مَاوِيَّةَ تُقْرِئُكَ السَّلامَ، وَتَقُولُ: إِنْ أَضْيَافَكَ قَدْ نَزَلُوا بِنَا، فَأَرْسِلْ إِلَيْنَا بِنَابٍ نَنْحَرُهَا لَهُمْ، وَبِلَبَنٍ نَسْقِيهِمْ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا بِنَابٍ، ثُمَّ قَامَ إِلَى الْإِبِلِ فَأَطْلَقَ اثْنَيْنِ مِنْ عَقْلِهِمَا، ثُمَّ صَرَخَ بِهِمَا حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْخِبَاءِ، ثُمَّ بَادَرَهُمَا فَضَرَبَ عَرْاقِيبَهُمَا، فَصَرَخَتْ مَاوَيَّةُ مِنْ دَاخِلِ الْخِبَاءِ، تَقُولُ: لِهَذَا طَلَّقْتُكَ، وَقَالَتْ: تُبَذِّرُ مَالَكَ وَتُتْلِفُ مَا فِي يَدِكَ وَوَلَدُكَ مِنْ بَعْدِكَ كَلا عَلَى قَوْمِكَ.
فَأَنْشَأَ حَاتِمْ يَقُولُ:
هَلِ الدَّهْرُ إِلا الْيَوْمُ أَوْ أَمْسِ أَوْ غَدٌ ... كَذَاكَ الزَّمَانُ بَيْنَنَا يَتَرَدَّدُ
يَرُدُّ عَلَيْنَا لَيْلَةً ثُمَّ يَوْمَهَا ... فَمَا نَحْنُ مَا نَبْقَى وَلا الدَّهْرُ يِنْفَدُ
لَنَا أَجَلٌ مَا نَتَنَاهَى أَمَامَهُ ... فَنَحْنُ عَلَى آثَارِهِ نَتَوَرَّدُ
بَنُو ثُعَلٍ قَوْمِي فَمَا أَنَا مُدَّعٍ ... سِوَاهُمْ إِلَى قَوْمٍ وَلا أَنَا مُسْنَدُ
بِدَرْئِهِمُ أَغْشَى دُرُوءَ مَعَاشِرٍ ... وَيَحْنَفُ عِنَّا الأَبْلَخُ الْمُتَعَمِّدُ
فَمَهْلا فِدًى أُمِّي وَنَفْسِي وَخَالَتِي ... وَلا يَأْمُرنِي بِالدَّنِيَّةِ أَسْوَدُ
أَأَلانَ إِذْ ذُكِّيتُ وَاشْتَدَّ جَانِبِي ... أُسَامُ الَّتِي أَعْيَيْتُ إِذْ أَنَا أَمْرَدُ
فَهَلْ تُرِكَتْ قَبْلِي حَضُورَ مَكَانِها ... وَهَلْ أَنَا إِنْ أَعْطَيْتُ خَسْفًا مُخَلَّدُ
وَمُعْتَسِفٍ بِالرُّمْحِ مِنْ دُونِ صَحْبِهِ ... تَعَسَّفْتُهُ بِالرُّمْحِ وَالْقَوْمُ هُجَّدُ
فَخَرَّ عَلَى حَرِّ الْجَبِينِ وَدَادُهُ ... إِلَى الْمَوْتِ مَطْرُورَ الْوَقِيعَةِ مِذْوَدُ
فَمَا رُمْتُهُ حَتَّى أَزَحْتُ عَوِيصَهُ ... وَحَتَّى عَلاهُ حَالِكُ اللَّوْنِ أَسْوَدُ
إِذَا كَانَ بَعْضُ الْمَالِ رَبَّا لِأَهْلِهِ ... فَإِنِي بِحَمْدِ اللَّهِ مَالِي مُعَبَّدُ
يُفَكُّ بِهِ الْعَانِي وَيُؤْكَلُ طَيِّبًا ... وَيُعْطَى إِذَا ضَنَّ الْبَخِيلُ الْمُصَرِّدُ
إِذَا مَا الْبَخِيلُ الْخِبْءُ أَخْمَدَ نَارَهُ ... أَقُولُ لِمَنِ يَصْلَى بِنَارِيَ: أَوْقِدُوا
تَوَسَّعْ قَلِيلا أَوْ يَكُنْ ثَمَّ حَسْبُنَا ... وَمُوقِدُهَا الْبَادِي أَعَفُّ وَأَمْجَدُ
فَإِنَّ الجَّوادَ مَنْ تَلَفَّتَ حَوْلَهُ ... وَإِنَّ الْبَخِيلَ نَاكِسُ الطَّرْفِ أَقْوَدُ
كَذَاكَ أُمُورُ النَّاسِ رَاضٍ دَنِيَّةً ... وَسَامٍ إِلَى فَرْعِ الْعُلا مُتَوَرَّدُ
وَدَاعٍ دَعَانِي دَعْوَةً فَأَجَبْتُهُ ... وَهَلْ يَدَعُ الدَّاعِينَ إِلا الْيَلَنْدَدُ