والأنصار، وعلى الأنصار - ثابت بن قيس بن شماس - وعلى المهاجرين - أبو حذيفة وزيد بن الخطاب - وأقام خالد بالبطاح ينتظر وصول البعث إليه، فلما وصلوا إليه سار إلى اليمامة بجيشه لملاقاة العدو.
ولما بلغ مسيلمة دنو خالد ضرب عسكره بعقرباء، وخرج إليه الناس وخرج مجاعة بن مرارة في سرية يطلب ثأرا لهم في بني عامر - فلم يكن يقصد قتال المسلمين - فأخذه المسلمون وأصحابه وقتلهم خالد واستبقاه لشرفه في بني حنيفة وكانوا ما بين أربعين إلى ستين وترك مسيلمة الأموال وراء ظهره.
وفي صباح اليوم التالي التقى الجيشان بسهل عقرباء وقال شرحبيل بن مسيلمة: يا بني حنيفة قاتلوا فإن اليوم يوم الغيرة فإن انهزمتم تستردف النساء سبيات وينكحن غير خطيبات، فقاتلوا عن أحسابكم وامنعوا نساءكم فاقتتلوا بعقرباء1.
وكانت راية المهاجرين مع سالم مولى أبي حنيفة، وكانت مع عبد الله بن حفص بن غانم فقتل فقالوا لسالم: نخشى عليك من نفسك فقال: بئس حامل القرآن أنا إذا2.
وكانت راية الأنصار مع ثابت بن قيس بن شماس وكان أول من لقي المسلمين نهار الرجال بن عنفوة، فقتله زيد بن الخطاب واشتد القتال ولم يلق المسلمون حربا مثلها قط وانهزم المسلمون وخلص بنو حنيفة إلى مجاعة وإلى خالد فزال خالد عن الفسطاط ودخلوا إلى مجاعة وهو عند زوجة خالد يحرسها فأرادوا قتلها فنهاهم مجاعة عن قتلها وقال أنا لها جار فتركوها وقال لهم: عليكم بالرجال فقطعوا الفسطاط وحاق3 الخطر بالمسلمين في هذه الساعة وأخذ بعضهم يحث على القتال ويستفز الهمم، فقال ثابت بن قيس:
بئس ما عودتم أنفسكم يا معشر المسلمين، اللهم إني أبرأ إليك مما يصنع هؤلاء - يعني أهل اليمامة - وأعتذر إليك مما يصنع هؤلاء - يعني المسلمين - ثم قاتل حتى قتل.
وقال زيد بن الخطاب:
لا تحوز بعد الرجال، والله لا أتكلم اليوم حتى نهزمهم، أو أقتل فأكلمه بحجتي، غضوا أبصاركم، وعضوا على أضراسكم أيها الناس واضربوا في عدوكم وامضوا قدما.
وقال أبو حذيفة:
يا أهل القرآن زينوا القرآن بالفعال.
وقد كانت لهذه الكلمات الحماسية أثرها في النفوس فحمل خالد في الناس حتى ردهم إلى أبعد مما كانوا واشتد القتال وقاتل العدو قتال المستميت، وكانت الحرب يومئذ تارة للمسلمين، وتارة لبني حنيفة، وقتل سالم وأبو حذيفة وزيد بن الخطاب وغيرهم من كبار المسلمين.