هذه الدعوى بقضائه الفصل ورد دعواهم من أساسها ودحضها دحضا: «ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شيء، وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شيء، فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ» .. فإن حسابهم على أنفسهم، وحسابك على نفسك. وكونهم فقراء مقدر عليهم في الرزق هذا حسابهم عند اللّه، لا شأن لك به. كذلك غناك وفقرك هو حسابك عند اللّه لا شأن لهم به. ولا دخل لهذه القيم في قضية الإيمان والمنزلة فيه. فإن أنت طردتهم من مجلسك بحساب الفقر والغنى كنت لا تزن بميزان اللّه، ولا تقوّم بقيمة ..
فكنت من الظالمين .. وحاشا لرسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - أن يكون من الظالمين! وبقي فقراء الجيوب أغنياء القلوب في مجلس رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - وبقي ضعاف الجاه الأقوياء باللّه في مكانهم الذي يؤهلهم له إيمانهم والذي يستحقونه بدعائهم للّه لا يبتغون إلا وجهه. واستقرت موازين الإسلام وقيمه على المنهج الذي قرره اللّه .. عندئذ نفر المستكبرون المستنكفون يقولون: كيف يمكن أن يختص اللّه من بيننا بالخير هؤلاء الضعاف الفقراء؟
إنه لو كان ما جاء به محمد خيرا ما سبقونا إليه ولهدانا اللّه به قبل أن يهديهم! فليس من المعقول أن يكون هؤلاء الضعاف الفقراء هم الذين يمنُّ اللّه عليهم من بيننا ويتركنا ونحن أصحاب المقام والجاه! وكانت هذه هي الفتنة التي قدرها اللّه لهؤلاء المتعالين بالمال والنسب والذين لم يدركوا طبيعة هذا الدين وطبيعة الدنيا الجديدة التي يطلع بها على البشرية، مشرقة الآفاق، مصعدة بهذه البشرية إلى تلك القمة السامقة التي كانت يومذاك غريبة على العرب وعلى الدنيا كلها وما تزال غريبة في ما يسمونه الديمقراطيات على اختلاف أشكالها وأسمائها! «وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا: أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا؟» ..
ويرد السياق القرآني على هذا الاستفهام الاستنكاري الذي يطلقه الكبراء: «أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ»؟ هذا الرد الحافل بالإيحاءات والإيماءات: