إذ يقرر ابتداء أن الهدى جزاء يجزي به اللّه من يعلم من أمرهم أنهم إذا هدوا سيشكرون هذه النعمة، التي لا كفاء لها من شكر العبد، ولكن اللّه يقبل منه جهده ويجزيه عليه هذا الجزاء الهائل الذي لا يعد له جزاء.
وإذ يقرر أن نعمة الإيمان لا تتعلق بقيمة من قيم الأرض الصغيرة التي تسود في الجاهليات البشرية. إنما يختص اللّه بها من يعلم أنهم شاكرون عليها. لا يهم أن يكونوا من الموالي والضعاف والفقراء. فميزان اللّه لا مكان فيه لقيم الأرض الصغيرة التي تتعاظم الناس في الجاهليات! وإذ يقرر أن اعتراض المعترضين على فضل اللّه إنما ينشأ من الجهالة بحقائق الأشياء. وأن توزيع هذا الفضل على العباد قائم على علم اللّه الكامل بمن يستحقه من هؤلاء العباد. وما اعتراض المعترضين إلا جهل وسوء أدب في حق اللّه ..
ويمضي السياق يأمر رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - وهو رسول اللّه أن يبدأ أولئك الذين أسبغ عليهم فضل السبق بالإسلام والذين يسخر منهم أولئك الكبراء الأشراف! .. أن يبدأهم بالسلام .. وأن يبشرهم بما كتبه اللّه على نفسه من الرحمة متمثلا في مغفرته لمن عمل منهم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح: «وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ: سَلامٌ عَلَيْكُمْ، كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ، ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ، فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ» ..
وهو التكريم - بعد نعمة الإيمان واليسر في الحساب، والرحمة في الجزاء، حتى ليجعل اللّه - سبحانه - الرحمة كتابا على نفسه للذين آمنوا بآياته ويأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يبلغهم ما كتبه ربهم على نفسه. وحتى لتبلغ الرحمة أن يشمل العفو والمغفرة الذنب كله، متى تابوا من بعده وأصلحوا - إذ يفسر بعضهم الجهالة بأنها ملازمة لارتكاب الذنب فما يذنب الإنسان إلا من جهالة وعلى ذلك يكون النص شاملا لكل سوء يعمله صاحبه متى تاب من بعده وأصلح. ويؤيد هذا الفهم النصوص الأخرى التي تجعل التوبة من الذنب - أيا كان - والإصلاح بعده، مستوجبة للمغفرة بما كتب اللّه على نفسه من الرحمة ...
ونعود - قبل الانتهاء من استعراض هذه الفقرة من السورة - إلى بعض الآثار التي وردت عن ملابسات نزول هذه الآيات وعن دلالة هذه الآثار مع النصوص القرآنية على حقيقة