وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ» .. لا تطرد هؤلاء الذين أخلصوا نفوسهم للّه فاتجهوا لعبادته ودعائه في الصباح والمساء يريدون وجهه سبحانه! ولا يبتغون إلا وجهه ورضاه .. وهي صورة للتجرد، والحب، والأدب .. فإن الواحد منهم لا يتوجه إلا إلى اللّه وحده بالعبادة والدعاء. وهو لا يبغي وجه اللّه، إلا إذا تجرد. وهو لا يبغي وجه اللّه وحده حتى يكون قلبه قد أحب. وهو لا يفرد اللّه - سبحانه - بالدعاء والعبادة ابتغاء وجهه إلا ويكون قد تعلم الأدب، وصار ربانيا يعيش للّه وباللّه ..
ولقد كان أصل القصة أن جماعة من «أشراف» العرب، أنفوا أن يستجيبوا إلى دعوة الإسلام لأن محمدا - صلى الله عليه وسلم - يؤوي إليه الفقراء الضعاف، من أمثال صهيب وبلال وعمار وخباب وسلمان وابن مسعود .. ومن إليهم .. وعليهم جباب تفوح منها رائحة العرق لفقرهم ومكانتهم الاجتماعية لا تؤهلهم لأن يجلس معهم سادات قريش في مجلس واحد! فطلب هؤلاء الكبراء إلى رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - أن يطردهم عنه .. فأبى .. فاقترحوا أن يخصص لهم مجلسا ويخصص للأشراف مجلسا آخر، لا يكون فيه هؤلاء الفقراء الضعاف، كي يظل للسادة امتيازهم واختصاصهم ومهابتهم في المجتمع الجاهلي! فهمّ - صلى الله عليه وسلم - رغبة في إسلامهم أن يستجيب لهم في هذه. فجاءه أمر ربه: «وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ» ..
روى مسلم عَنْ سَعْدٍ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - سِتَّةَ نَفَرٍ فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ لِلنَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - اطْرُدْ هَؤُلاَءِ لاَ يَجْتَرِئُونَ عَلَيْنَا. قَالَ وَكُنْتُ أَنَا وَابْنُ مَسْعُودٍ وَرَجُلٌ مِنْ هُذَيْلٍ وَبِلاَلٌ وَرَجُلاَنِ لَسْتُ أُسَمِّيهِمَا فَوَقَعَ فِى نَفْسِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقَعَ فَحَدَّثَ نَفْسَهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِىِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) (?) ..
ولقد تقوّل أولئك الكبراء على هؤلاء الضعاف، الذين يخصهم رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - بمجلسه وبعنايته وطعنوا فيهم وعابوا ما هم فيه من فقر وضعف وما يسببه وجودهم في مجلس رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - من نفور السادة وعدم إقبالهم على الإسلام .. فقضى اللّه سبحانه في