الحماسة الحقيقية. أما الحماسة قبل الأمر، فقد تكون مجرد اندفاع وتهور يتبخر عند مواجهة الخطر!
وكان القرآن يعالج هذه الحالة بمنهجه الرباني: «قُلْ: مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ، وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى، وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا. أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ، وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ» ..
إنهم يخشون الموت، ويريدون الحياة. ويتمنون في حسرة مسكينة! لو كان اللّه قد أمهلهم بعض الوقت ومد لهم - شيئا - في المتاع بالحياة! والقرآن يعالج هذه المشاعر في منابتها ويجلو غبش التصور لحقيقة الموت والأجل .. «قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ» .. متاع الدنيا كله. والدنيا كلها. فما بال أيام، أو أسابيع، أو شهور، أو سنين؟ ما قيمة هذا الإمهال لأجل قصير. إذا كان متاع الحياة الدنيا بطولها في جملته قليلا؟! ما الذي يملكون تحقيقه من المتاع في أيام، أو أسابيع، أو شهور، أو سنين. ومتاع الدنيا كله والدنيا بطولها قليل!؟
«وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى» .. فالدنيا - أولا - ليست نهاية المطاف ولا نهاية الرحلة .. إنها مرحلة .. ووراءها الآخرة والمتاع فيها هو المتاع - فضلا على أن المتاع فيها طويل كثير - فهي «خَيْرٌ» .. «خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى» .. وتذكر التقوى هنا والخشية والخوف في موضعها. التقوى للّه. فهو الذي يتقى، وهو الذي يخشى. وليس الناس .. الناس الذين سبق أن قال: إنهم يخشونهم كخشية اللّه - أو أشد خشية! - والذي يتقي اللّه لا يتقي الناس. والذي يعمر قلبه الخوف من اللّه لا يخاف أحدا. فماذا يملك له إذا كان اللّه لا يريد؟
«وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا» .. فلا غبن ولا ضير ولا نجس إذا فاتهم شيء من متاع الدنيا. فهناك الآخرة. وهناك الجزاء الأوفى الذي لا يبقى معه ظلم ولا نجس في الحساب الختامي للدنيا والآخرة جميعا! ولكن بعض الناس قد تهفو نفسه - مع هذا كله - إلى أيام تطول به في هذه الأرض! حتى وهو يؤمن بالآخرة، وهو ينتظر جزاءها الخير .. وبخاصة حين يكون في المرحلة الإيمانية التي كانت فيها هذه الطائفة! هنا تجيء اللمسة الأخرى. اللمسة التي تصحح التصور عن حقيقة الموت والحياة، والأجل والقدر وعلاقة هذا كله بتكليف القتال، الذي جزعوا له هذا الجزع، وخشوا الناس فيه هذه الخشية!