وسجنه أو قتله! ولا يجرؤ أحد على أن يفرض عليه كلاما بعينه يقوله يعلن فيه بعض حقيقة دينه ويسكت عن بعضها. وحين طلبوا إليه أن يكف عن سب آلهتهم وعيبها لم يكف. وحين طلبوا إليه أن يسكت عن عيب دين آبائهم وأجدادهم وكونهم في جهنم لم يسكت. وحين طلبوا إليه أن يدهن فيدهنوا. أي أن يجاملهم فيجاملوه بأن يتبع بعض تقاليدهم ليتبعوا هم بعض عبادته، لم يدهن ... وعلى الجملة كان للدعوة «وجودها» الكامل، في شخص رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - محروسا بسيوف بني هاشم - وفي إبلاغه لدعوة ربه كاملة في كل مكان وفي كل صورة .. ومن ثم لم تكن هناك الضرورة القاهرة لاستعجال المعركة، والتغاضي عن كل هذه الاعتبار ات البيئية التي هي في مجموعها، مساندة للدعوة ومساعدة في مثل هذه البيئة.
هذه الاعتبار ات - كلها - فيما نحسب - كانت بعض ما اقتضت حكمة اللّه - معه - أن يأمر المسلمين بكف أيديهم. وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة .. لتتم تربيتهم وإعدادهم، ولينتفع بكل إمكانيات الخطة في هذه البيئة وليقف المسلمون في انتظار أمر القيادة، في الوقت المناسب. وليخرجوا أنفسهم من المسألة كلها، فلا يكون لذواتهم فيها حظ. لتكون خالصة للّه. وفي سبيل اللّه .. والدعوة لها «وجودها» وهي قائمة ومؤداة ومحمية ومحروسة ...
وأيا ما كانت حكمة اللّه من وراء هذه الخطة، فقد كان هناك المتحمسون يبدون لهفتهم على اللحظة التي يؤذن لهم فيها بالقتال: «فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ، إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً. وَقالُوا: رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ؟ لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ!».
وكان وجود هذه الطائفة في الصف المسلم ينشئ فيه حالة من الخلخلة وينشئ فيه حالة من عدم التناسق بين هذه الطائفة الجزوع الهلوع، وبين الرجال المؤمنين، ذوي القلوب الثابتة المطمئنة المستقبلة لتكاليف الجهاد - على كل ما فيها من مشقة - بالطمأنينة والثقة والعزم والحماسة أيضا. ولكن في موضعها المناسب. فالحماسة في تنفيذ الأمر حين يصدر هي