والأجناس - والوحدة هي حقيقة الإنسان - على تنوع الأفراد والاستعدادات - والوحدة هي غاية الوجود الإنساني - وهي العبادة - على تنوع مجالات العبادة وهيئاتها - وهكذا حيثما بحث الإنسان عن الحقيقة في هذا الوجود ..

«وحين تكون الكينونة الإنسانية في الوضع الذي يطابق «الحقيقة» في كل مجالاتها، تكون في أوج قوتها الذاتية وفي أوج تناسقها - كذلك - مع «حقيقة» هذا الكون الذي تعيش فيه، وتتعامل معه ومع «حقيقة» كل شيء في هذا الوجود، مما تتأثر به وتؤثر فيه .. وهذا التناسق هو الذي يتيح لها أن تنشئ أعظم الآثار، وأن تؤدي أعظم الأدوار.

«وحينما بلغت هذه الحقيقة أوجها في المجموعة المختارة من المسلمين الأوائل، صنع اللّه بها في الأرض أدوارا عميقة الآثار في كيان الوجود الإنساني، وفي كيان التاريخ الإنساني ..

«وحين توجد هذه الحقيقة مرة أخرى - وهي لا بد كائنة بإذن اللّه - سيصنع اللّه بها الكثير، مهما يكن في طريقها من العراقيل. ذلك أن وجود هذه الحقيقة في ذاته ينشىء قوة لا تقاوم لأنها من صميم قوة هذا الكون وفي اتجاه قوة المبدع لهذا الكون أيضا.

« ... إن هذه الحقيقة ليست أهميتها فقط في تصحيح التصور الإيماني. وإن كان هذا التصحيح في ذاته غاية ضخمة يقوم عليها بناء الحياة كله - بل إن أهميتها كذلك في حسن تذوق الحياة، وبلوغ هذا التذوق أعلى درجات الكمال والتناسق. فقيمة الحياة الإنسانية ذاتها ترتفع حين تصبح كلها عبادة للّه وحين يصبح كل نشاط فيها - صغر أم كبر - جزءا من هذه العبادة أو كل العبادة، متى نظرنا إلى المعنى الكبير الكامن فيه. وهو إفراد اللّه - سبحانه - بالألوهية والإقرار له وحده بالعبودية .. هذا المقام الذي لا يرتفع الإنسان إلى ما هو أعلى منه ولا يبلغ كماله الإنساني إلا في تحقيقه. وهو المقام الذي بلغه رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - في أعلى مقاماته التي ارتقى إليها. مقام تلقي الوحي من اللّه. ومقام الإسراء أيضا: «تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً» ... (الفرقان:1).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015