سبحانه في حاجة إليه. فاللّه سبحانه غني عن العالمين. ولكن لأن حياة البشر لا تصلح ولا تستقيم ولا ترتفع ولا تصبح لائقة بالإنسان، إلا بهذا التوحيد الذي لا حد لتأثيره في الحياة البشرية في كل جوانبها على السواء» ..
وقد وعدنا هناك أن نزيد هذا الأمر بيانا في هذا التعقيب الختامي الأخير.
فالآن نبين إجمالا قيمة حقيقة التوحيد في الحياة البشرية في كل جوانبها على السواء:
ننظر ابتداء إلى أثر حقيقة التوحيد - على هذا النحو الشامل - في كيان الكائن الإنساني نفسه من ناحية وجوده الذاتي، وحاجته الفطرية، وتركيبه الإنساني .. أثرها في تصوره .. وأثر هذا التصور في كيانه:
«إن هذا التصور إذ يتناول الأمور على هذا النحو الشامل - بكل معاني الشمول - يخاطب الكينونة البشرية بكل جوانبها، وبكل أشواقها، وبكل حاجاتها، وبكل اتجاهاتها، ويردها إلى جهة واحدة تتعامل معها، جهة تطلب عندها كل شيء، وتتوجه إليها بكل شيء. جهة واحدة ترجوها وتخشاها، وتتقي غضبها وتبتغي رضاها جهة واحدة تملك لها كل شيء، لأنها خالقة كل شيء، ومالكة كل شيء، ومدبرة كل شيء.
«كذلك يرد الكينونة الإنسانية إلى مصدر واحد، تتلقى منه تصوراتها ومفاهيمها، وقيمها وموازينها، وشرائعها وقوانينها. وتجد عنده إجابة عن كل سؤال يجيش فيها وهي تواجه الكون والحياة والإنسان، بكل ما يثيره كل منها من علامات الاستفهام.
«عندئذ تتجمع هذه الكينونة .. تتجمع شعورا وسلوكا، وتصورا واستجابة. في شأن العقيدة والمنهج.
وشأن الاستمداد والتلقي. وشأن الحياة والموت. وشأن السعي والحركة. وشأن الصحة والرزق. وشأن الدنيا والآخرة. فلا تتفرق مزقا ولا تتجه إلى شتى السبل والآفاق ولا تسلك شتى الطرق على غير اتفاق! «والكينونة الإنسانية حين تتجمع على هذا النحو، تصبح في خير حالاتها. لأنها تكون حينئذ في حالة «الوحدة» التي هي طابع الحقيقة في كل مجالاتها .. فالوحدة هي حقيقة الخالق - سبحانه - والوحدة هي حقيقة هذا الكون - على تنوع المظاهر والأشكال والأحوال - والوحدة هي حقيقة الحياة والأحياء - على تنوع الأنواع