«سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ. لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا، إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ» ... (الإسراء:1) (?)

وننتقل إلى قيمة أخرى من قيم توحيد العبادة بمعنى الدينونة للّه وحده وآثارها في الحياة الإنسانية:

إن الدينونة للّه تحرر البشر من الدينونة لغيره وتخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة اللّه وحده. وبذلك تحقق للإنسان كرامته الحقيقية وحريته الحقيقية، هذه الحرية وتلك اللتان يستحيل ضمانهما في ظل أي نظام آخر - غير النظام الإسلامي - يدين فيه الناس بعضهم لبعض بالعبودية، في صورة من صورها الكثيرة ... سواء عبودية الاعتقاد، أو عبودية الشعائر، أو عبودية الشرائع .. فكلها عبودية وبعضها مثل بعض تخضع الرقاب لغير اللّه بإخضاعها للتلقي في أي شأن من شؤون الحياة لغير اللّه.

والناس لا يملكون أن يعيشوا غير مدينين! لا بد للناس من دينونة. والذين لا يدينون للّه وحده يقعون من فورهم في شر ألوان العبودية لغير اللّه في كل جانب من جوانب الحياة! إنهم يقعون فرائس لأهوائهم وشهواتهم بلا حد ولا ضابط. ومن ثم يفقدون خاصتهم الآدمية ويندرجون في عالم البهيمة: «وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ، وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ» ... (محمد:12) ولا يخسر الإنسان شيئا كأن يخسر آدميته، ويندرج في عالم البهيمة، وهذا هو الذي يقع حتما بمجرد التملص من الدينونة للّه وحده، والوقوع في الدينونة للهوى والشهوة.

ثم هم يقعون فرائس لألوان من العبودية للعبيد .. يقعون في شر ألوان العبودية للحكام والرؤساء الذين يصرفونهم وفق شرائع من عند أنفسهم، لا ضابط لها ولا هدف إلا حماية مصالح المشرعين أنفسهم - سواء تمثل هؤلاء المشرعون في فرد حاكم، أو في طبقة حاكمة، أو في جنس حاكم - فالنظرة على المستوي الإنساني الشامل تكشف عن هذه الظاهرة في كل حكم بشري لا يستمد من اللّه وحده، ولا يتقيد بشريعة اللّه لا يتعداها ..

طور بواسطة نورين ميديا © 2015