والتركستان والهند، وفي كل مكان! ثم يظهر بيننا من يظن - في بعد كامل عن تقريرات القرآن الجازمة - أنه يمكن أن يقوم بيننا وبين أهل الكتاب هؤلاء ولاء وتناصر. ندفع به المادية الإلحادية عن الدين! إن هؤلاء لا يقرأون القرآن. وإذا قرأوه اختلطت عليهم دعوة السماحة التي هي طابع الإسلام فظنوها دعوة الولاء الذي يحذر منه القرآن.
إن هؤلاء لا يعيش الإسلام في حسهم، لا بوصفه عقيدة لا يقبل اللّه من الناس غيرها، ولا بوصفه حركة إيجابيه تستهدف إنشاء واقع جديد في الأرض تقف في وجه عداوات أهل الكتاب اليوم، كما وقفت له بالأمس. الموقف الذي لا يمكن تبديله. لأنه الموقف الطبيعي الوحيد! وندع هؤلاء في إغفالهم أو غفلتهم عن التوجيه القرآني، لنعي نحن هذا التوجيه القرآني الصريح: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ .. بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ .. وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ. إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ» .. هذا النداء موجه إلى الجماعة المسلمة في المدينة - ولكنه في الوقت ذاته موجه لكل جماعة مسلمة تقوم في أي ركن من أركان الأرض إلى يوم القيامة .. موجه لكل من ينطبق عليه ذات يوم صفة: «الَّذِينَ آمَنُوا» .. ولقد كانت المناسبة الحاضرة إذ ذاك لتوجيه هذا النداء للذين آمنوا، أن المفاصلة لم تكن كاملة ولا حاسمة بين بعض المسلمين في المدينة وبعض أهل الكتاب - وبخاصة اليهود - فقد كانت هناك علاقات ولاء وحلف، وعلاقات اقتصاد وتعامل، وعلاقات جيرة وصحبة .. وكان هذا كله طبيعيا مع الوضع التاريخي والاقتصادي والاجتماعي في المدينة قبل الإسلام، بين أهل المدينة من العرب وبين اليهود بصفة خاصة .. وكان هذا الوضع يتيح لليهود أن يقوموا بدورهم في الكيد لهذا الدين وأهله بكل صنوف الكيد التي عددتها وكشفتها النصوص القرآنية الكثيرة والتي سبق استعراض بعضها في الأجزاء الخمسة الماضية من هذه الظلال والتي يتولى هذا الدرس وصف بعضها كذلك في هذه النصوص.
ونزل القرآن ليبث الوعي اللازم للمسلم في المعركة التي يخوضها بعقيدته، لتحقيق منهجه الجديد في واقع الحياة. ولينشئ في ضمير المسلم تلك المفاصلة الكاملة بينه وبين كل من لا ينتمي إلى الجماعة المسلمة ولا يقف تحت رايتها الخاصة. المفاصلة التي لا تنهي السماحة