بنحو خمسة قرون - وقد كتبها عزرا - وقد يكون هو عزير - وجمع فيها بقايا من التوراة. أما سائرها فهو مجرد تأليف! وكذلك الأناجيل فهي جميعا لا تحوي إلا ما حفظته ذاكرة تلامذة المسيح وتلامذتهم بعد نحو قرن من وفاة المسيح - عليه السلام - ثم خلطت به حكايات كثيرة وأساطير! ..
ومن ثم لا يجوز أن يطلب عند تلك الكتب جميعها يقين في أمر من الأمور!
ونخلص من هذه القضية العرضية إلى عبرة هذا الحادث الكوني العظيم .. وهي - في الحقيقة - عبر شتى، لا عبرة واحدة. وسنحاول أن نلم بشيء منها في الصفحات التالية، قبل أن ننتقل من قصة نوح إلى قصة هود:
إن قوم نوح - عليه السلام - هؤلاء الذين شهدنا مدى جاهليتهم، ومدى إصرارهم على باطلهم، ومدى استنكارهم لدعوة الإسلام الخالص التي حملها نوح - عليه السلام - إليهم، وخلاصتها: التوحيد الخالص الذي يفرد اللّه - سبحانه - بالدينونة والعبودية ولا يجعل لأحد معه صفة الربوبية ..
إن قوم نوح هؤلاء .. هم ذرية آدم .. وآدم - كما نعلم من قصته في سورة الأعراف من قبل - وفي سورة البقرة كذلك - قد هبط إلى الأرض ليقوم بمهمة الخلافة فيها - وهي المهمة التي خلقه اللّه لها وروده بالكفايات والاستعدادات اللازمة لها - بعد أن علمه ربه كيف يتوب من الزلة التي زلها، وكيف تلقى من ربه كلمات فتاب عليه بها. وكيف أخذ عليه ربه العهد والميثاق - هو وزوجه وبنوه - أن «يتبع» ما يأتيه من هدى اللّه، ولا يتبع الشيطان وهو عدوه وعدو بنيه إلى يوم الدين.
وإذن فقد هبط آدم إلى الأرض مسلما للّه متبعا هداه .. وما من شك أنه علم بنيه الإسلام جيلا بعد جيل وأن الإسلام كان هو أول عقيدة عرفتها البشرية في الأرض حيث لم تكن معها عقيدة أخرى! فإذا نحن رأينا قوم نوح - وهم من ذرية آدم بعد أجيال لا يعلم عددها إلا اللّه - قد صاروا إلى هذه الجاهلية - التي وصفتها القصة في هذه السورة - فلنا أن نجزم أن هذه الجاهلية طارئة على البشرية بوثنيتها وأساطيرها وخرافاتها وأصنامها وتصوراتها وتقاليدها جميعا. وأنها انحرفت عن الإسلام إليها بفعل الشيطان المسلط على بني