دليل صحيح .. وليس لها بعد ذلك قيمة في تحقيق أهداف القصص القرآني في كثير ولا قليل.
ولكن هذا لا يمنع من القول بأن ظاهر النصوص القرآنية يلهم أن قوم نوح كانوا هم مجموع البشرية في ذلك الزمان. وأن الأرض التي يسكنونها كانت هي الأرض المعمورة في ذلك الحين. وأن الطوفان قد عم هذه الرقعة، وقضى على جميع الخلائق التي تقطنها - فيما عدا ركب السفينة الناجين.
وهذا حسبنا في إدراك طبيعة ذلك الحادث الكوني الذي جاءنا خبره من المصدر الوحيد الوثيق عن ذلك العهد السحيق، الذي لا يعرف «التاريخ» عنه شيئا. وإلا فيومها أين كان «التاريخ»؟! إن التاريخ مولود حدث لم يسجل من أحداث البشرية إلا القليل! وكل ما سجله قابل للخطأ والصواب، والصدق والكذب، والتجريح والتعديل! وما ينبغي قط أن يستفتى ذات يوم في شأن جاءنا به الخبر الصادق. ومجرد استفتائه في مثل هذا الشأن قلب للأوضاع، وانتكاسة لا تصيب عقلا قد استقرت فيه حقيقة هذا الدين!
ولقد حفلت أساطير شتى الشعوب وذكرياتها الغامضة بذكر طوفان أصاب أرضها في تاريخ قديم مجهول، بسبب معصية ذلك الجيل الذي شهد ذلك الحادث الكبير .. وأساطير بني إسرائيل المدونة فيما يسمونه «العهد القديم» تحوي كذلك ذكرى طوفان نوح .. ولكن هذا كله شيء لا ينبغي أن يذكر في معرض الحديث القرآني عن الطوفان ولا ينبغي أن يخلط الخبر الصادق الوثيق بمثل هذه الروايات الغامضة وهذه الأساطير المجهولة المصدر والأسانيد. وإن كان لوجود هذه الأخبار الغامضة عن الطوفان عند شعوب شتى دلالته في أن الطوفان قد كان في أرض هذه الأقوام أو على الأقل قد رحلت ذكرياته مع ذراري الناجين حين تفرقوا في الأرض بعد ذلك وعمروا الأرض من جديد ..
وينبغي أن نذكر أن ما يسمى «بالكتاب المقدس» - سواء في ذلك «العهد القديم» المحتوي على كتب اليهود أو «العهد الجديد» المحتوي على أناجيل النصارى - ليس هو الذي نزل من عند اللّه. فالتوراة التي أنزلها اللّه على موسى قد حرقت نسخها الأصلية على يد البابليين عند سبي اليهود. ولم تعد كتابتها إلا بعد قرون عديدة - قبيل ميلاد المسيح