الإسلام هو دينونة العباد في واقعهم - العملي - كما هو الأمر في العقيدة القلبية - لألوهية واحدة هي ألوهية اللّه، ونفض كل دينونة في هذا الواقع لغير اللّه من العباد المتألهين! والتشريع هو مزاولة للألوهية، والخضوع للتشريع هو الدينونة لهذه الألوهية .. ومن ثم يجعل المسلم دينونته في هذا للّه وحده ويخلع ويرفض الدينونة لغير اللّه من العباد المتألهين! من هنا ذلك الاحتفال كله في القرآن كله بتقرير هذه الأصول الاعتقادية،والاتكاء عليها على هذا النحو الذي نرى صورة منه في سياق هذه السورة المكية .. والقرآن المكي لم يكن يواجه قضية النظام والشرائع في حياة الجماعة المسلمة ولكنه كان يواجه قضية العقيدة والتصور. ومع هذا فإن السورة تحفل هذا الاحتفال بتقرير هذا الأصل الاعتقادي في موضوع الحاكمية .. ولهذا دلالته العميقة الكبيرة (?) ..
وهذه الوقفة في مواجهة المعركة التي بانت طلائعها بين الشيطان والبشرية. وقفة للتحذير من أساليب الشيطان ومداخله ولكشف خطته ما كان منها وما يكون متمثلا في صور وأشكال شتى ..
ولكن المنهج القرآني لا يعرض توجيها إلا لمواجهة حالة قائمة ولا يقص قصصا إلا لأن له موقعا في واقع الحركة الإسلامية .. إنه كما قلنا لا يعرض قصصا لمجرد المتاع الفني! ولا يقرر حقيقة لمجرد عرضها النظري ..
إن واقعية الإسلام وجديته تجعلان توجيهاته وتقريراته، لمواجهة حالات واقعة بالفعل في مواجهة الحركة الإسلامية.
وقد كان واقع الجاهلية العربية هو الذي يواجهه التعقيب هنا عقب المرحلة الأولى من قصة البشرية الكبرى ..
كانت قريش قد ابتدعت لنفسها حقوقا على بقية مشركي العرب الذين يفدون لحج بيت اللّه - الذي جعلوه بيتا للأصنام وسدنتها! - وأقامت هذه الحقوق على تصورات اعتقادية زعمت أنها من دين اللّه وصاغتها في شرائع، زعمت أنها من شرع اللّه! وذلك لتخضع لها أعناق المشركين كما يصنع السدنة والكهنة والرؤساء في كل جاهلية على وجه التقريب