. وكانت قريش سمت نفسها اسما خاصا وهو «الحمس» وجعلوا لأنفسهم حقوقا ليست لسائر العرب. ومن هذه الحقوق - فيما يختص بالطواف بالبيت - أنهم هم وحدهم لهم حق الطواف في ثيابهم. فأما بقية العرب فلا تطوف في ثياب لبستها من قبل. فلا بد أن تستعير من ثياب الحمس للطواف أو تستجد ثيابا لم تلبسها من قبل وإلا طافوا عرايا وفيهم النساء!
قال ابن كثير في التفسير: (كانت العرب -ما عدا قريشًا -لا يطوفون بالبيت في ثيابهم التي لبسوها، يتأولون في ذلك أنهم لا يطوفون في ثياب عصوا الله فيها، وكانت قريش -وهم الحُمْس -يطوفون في ثيابهم، ومن أعاره أحمسي ثوبًا طاف فيه، ومن معه ثوب جديد طاف فيه ثم يلقيه فلا يتملكه أحد، فمن لم يجد ثوبًا جديدًا ولا أعاره أحمسي ثوبًا، طاف عريانًا. وربما كانت امرأة فتطوف عريانة، فتجعل على فرجها شيئًا يستره بعض الشيء وتقول:
اليوم يبدُو بعضُه أو كلّه ... وما بدَا منه فلا أحلّهُ ...
وأكثر ما كان النساء يطفن [عراة] بالليل، وكان هذا شيئًا قد ابتدعوه من تلقاء أنفسهم، واتبعوا فيه آباءهم ويعتقدون أن فعل آبائهم مستند إلى أمر من الله وشرع، فأنكر الله تعالى عليهم ذلك، فقال: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا} فقال تعالى ردًا عليهم: {قُلْ} أي: قل يا محمد لمن ادعى ذلك: {إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} أي: هذا الذي تصنعونه فاحشة منكرة، والله لا يأمر بمثل ذلك {أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} أي: أتسندون إلى الله من الأقوال ما لا تعلمون صحته.
وقوله: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ} أي: بالعدل والاستقامة، {وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} أي: أمركم بالاستقامة في عبادته في محالها، وهي متابعة المرسلين المؤيدين بالمعجزات فيما أخبروا به عن الله [تعالى] وما جاءوا به [عنه] من الشرائع، وبالإخلاص له في عبادته، فإنه تعالى لا يتقبل العمل حتى يجمع هذين الركنين: أن يكون صوابًا موافقًا للشريعة، وأن يكون خالصًا من الشرك.) (?).