تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ. ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شيء، وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ. وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا: أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا؟ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ؟ وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ: سَلامٌ عَلَيْكُمْ، كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ: أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ، ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ، فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ» ..

ويتمثل في سلوك رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - مع «هؤلاء الأعبد» .. الذين أمره ربهم أن يبدأهم بالسلام وأن يصبر معهم فلا يقوم حتى يقوموا وهو محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب بن هاشم - وهو بعد ذلك - رسول اللّه وخير خلق اللّه، وأعظم من شرفت بهم الحياة!

ثم يتمثل في نظرة «هؤلاء الأعبد» لمكانهم عند اللّه ونظرتهم لسيوفهم واعتبار ها «سيوف اللّه» ونظرتهم لأبي سفيان «شيخ قريش وسيدهم» بعد أن أخره في الصف المسلم كونه من الطلقاء الذين أسلموا عام الفتح وذهبوا طلقاء عفو رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - وقدّمهم هم في الصف كونهم من السابقين إلى الإسلام، وهو في شدة الابتلاء .. فلما أن عاتبهم أبو بكر - رضي اللّه عنه - في أمر أبي سفيان، حذره صاحبه رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - أن يكون قد أغضب «هؤلاء الأعبد»! فيكون قد أغضب اللّه - يا اللّه! فما يملك أي تعليق أن يبلغ هذا المدى وما نملك إلا أن نتملاه! - ويذهب أبو بكر - رضي اللّه عنه - يترضى «الأعبد» ليرضى اللّه: «يا إخوتاه. أغضبتكم»؟ فيقولون: «لا يا أخي. يغفر اللّه لك»! أي شيء هائل هذا الذي تحقق في حياة البشرية؟ أية نقلة واسعة هذه التي قد تمت في واقع الناس؟ أي تبدل في القيم والأوضاع، وفي المشاعر والتصورات، في آن؟ والأرض هي الأرض والبيئة هي البيئة، والناس هم الناس، والاقتصاد هو الاقتصاد .. وكل شيء على ما كان، إلا أن وحيا نزل من السماء، على رجل من البشر، فيه من اللّه سلطان .. يخاطب فطرة البشر من وراء الركام، ويحدو للهابطين هنالك عند السفح، فيستجيشهم الحداء - على طول الطريق - إلى القمة السامقة .. فوق .. فوق .. هنالك عند الإسلام! ثم تتراجع البشرية عن القمة السامقة وتنحدر مرة أخرى إلى السفح. وتقوم - مرة أخرى - في نيويورك، وواشنطن، وشيكاغو .. وفي جوها نسبرج .. وفي غيرها من أرض «الحضارة!»

طور بواسطة نورين ميديا © 2015