إليها، وأطلعتهم في الأرض يأخذون بيد البشرية من ذلك السفح نفسه إلى تلك القمة التي بلغوها!

فأما ذلك السفح الهابط الذي كان فيه العرب في جاهليتهم - وكانت فيه البشرية كلها - فهو يتمثل واضحا في قولة: «الملأ» من قريش: «يا محمد، رضيت بهؤلاء من قومك؟ أهؤلاء الذين منّ اللّه عليهم من بيننا؟

أنحن نكون تبعا لهؤلاء؟ اطردهم عنك! فلعلك إن طردتهم أن نتبعك!» .. أو في احتقار الأقرع بن حابس التميمي، وعيينة بن حصن الفزاري، للسابقين من أصحاب رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - بلال، وصهيب، وعمار، وخباب، وأمثالهم من الضعفاء وقولهما للنبي - صلى الله عليه وسلم -:إنا نحب أن تجعل لنا منك مجلسا تعرف لنا العرب به فضلنا فإن وفود العرب تأتيك، فنستحيي أن ترانا العرب مع هؤلاء الأعبد!» ....

هنا تتبدى الجاهلية بوجهها الكالح! وقيمها الهزيلة، واعتبار اتها الصغيرة .. عصبية النسب والجنس واعتبار ات المال والطبقة .. وما إلى ذلك من اعتبار ات. هؤلاء بعضهم ليسوا من العرب! وبعضهم ليسوا من طبقة الأشراف! وبعضهم ليسوا من ذوي الثراء! .. ذات القيم التي تروج في كل جاهلية! والتي لا ترتفع عليها جاهليات الأرض اليوم في نعراتها القومية والجنسية والطبقية! هذا هو سفح الجاهلية .. وعلى القمة السامقة الإسلام! الذي لا يقيم وزنا لهذه القيم الهزيلة ولهذه الاعتبار ات الصغيرة، ولهذه النعرات السخيفة! .. الإسلام الذي نزل من السماء ولم ينبت من الأرض. فالأرض كانت هي هذا السفح .. هذا السفح الذي لا يمكن أن ينبت هذه النبتة الغريبة الجديدة الكريمة .. الإسلام الذي يأتمر به - أول من يأتمر - محمد - صلى الله عليه وسلم - محمد رسول اللّه الذي يأتيه الوحي من السماء والذي هو من قبل في الذؤابة من بني هاشم في الذروة من قريش .. والذي يأتمر به أبو بكر صاحب رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - في شأن «هؤلاء الأعبد» .. نعم هؤلاء الأعبد الذين خلعوا عبودية كل أحد وصاروا أعبدا للّه وحده فكان من أمرهم ما كان!

وكما أن سفح الجاهلية الهابط يرتسم في كلمات الملأ من قريش، وفي مشاعر الأقرع وعيينة .. فإن قمة الإسلام السامقة ترتسم في أمر اللّه العلي الكبير، لرسوله - صلى الله عليه وسلم -: «وَلا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015