تلك العصبيات النتنة. عصبيات الجنس واللون، وتقوم هنا وهناك عصبيات «وطنية» و «قومية» و «طبقية» لا تقل نتنا عن تلك العصبيات ..
ويبقى الإسلام هناك على القمة .. حيث ارتسم الخط الوضيء الذي بلغته البشرية .. يبقى الإسلام هناك - رحمة من اللّه بالبشرية - لعلها أن ترفع أقدامها من الوحل، وترفع عينيها عن الحمأة .. وتتطلع مرة أخرى إلى الخط الوضيء وتسمع مرة أخرى حداء هذا الدين وتعرج مرة أخرى إلى القمة السامقة على حداء الإسلام ..
ونحن لا نملك - في حدود منهجنا في هذه الظلال - أن نستطرد إلى أبعد من هذه الإشارة .. لا نملك أن نقف هنا تلك «الوقفة الطويلة» التي ندعو البشرية كلها أن تقفها أمام هذه النصوص ودلالتها. لتحاول أن تستشرف المدى الهائل الذي يرتسم من خلالها في تاريخ البشرية وهي تصعد على حداء الإسلام من سفح الجاهلية الهابط، إلى تلك القمة السامقة البعيدة .. ثم تهبط مرة أخرى على عواء «الحضارة المادية» الخاوية من الروح والعقيدة! ..
ولتحاول كذلك أن تدرك إلى أين يملك الإسلام اليوم أن يقود خطاها مرة أخرى بعد أن فشلت جميع التجارب، وجميع المذاهب، وجميع الأوضاع، وجميع الأنظمة، وجميع الأفكار وجميع التصورات، التي ابتدعها البشر لأنفسهم بعيدا عن منهج اللّه وهداه .. فشلت في أن ترتفع بالبشرية مرة أخرى إلى تلك القمة وأن تضمن للإنسان حقوقه الكريمة في هذه الصورة الوضيئة وأن تفيض على القلوب الطمأنينة - مع هذه النقلة الهائلة - وهي تنقل البشرية إليها بلا مذابح وبلا اضطهادات وبلا إجراءات استثنائية تقضي على الحريات الأساسية وبلا رعب، وبلا فزع، وبلا تعذيب، وبلا جوع، وبلا فقر، وبلا عرض واحد من أعراض النقلات التي يحاولها البشر في ظل الأنظمة البائسة التي يضعها البشر ويتعبد فيها بعضهم بعضا من دون اللّه .. فحسبنا هذا القدر هنا .. وحسبنا الإيحاءات القوية العميقة التي تفيض بها النصوص ذاتها، وتسكبها في القلوب المستنيرة (?).