هذه مفاهيمنا (صفحة 97)

والاستسلام والبخورات، وكانوا يعتقدون أن ذلك قربة لهم إلى الله زلفى، والأصنام هي أجسام خرس، لا نطق لها ولا تمييز ولا حس ولا صورة ولا حركة، فأرسلهم الله، ودلهم على ماهو أهدى وأقوم، وأولى مما كانوا فيه.

وذلك أن الأنبياء -عليهم السلام- وإن كانوا بشراً فهم أحياء ناطقون مميزون، علماء مشاكلون للملائكة بنفوسهم الزكية، يعرفون الله حق معرفته، والتقرب إلى الله بهم أولى وأهدى وأحق من التوسل بالأصنام الخرس التي لا تسمع ولا تبصر ولا تغني عنك شيئاً.

ثم اعلم أنا نبين هاهنا بدء عبادة الأصنام فنقول: بأن بدء عبادة الامم للأصنام أولاً كان عبادة الكواكب، وبدء عبادة الكواكب كان عبادة الملائكة، وسبب عبادة الملائكة كان التوسل بهم إلى الله تعالى، وطلب القربة إليه.

وذلك أن الحكماء الأولين لما عرفوا بذكاء نفوسهم وصفاء أذهانهم أن للعالم صانعاً حكيماً، وذلك لتأملهم عجائب مصنوعاته، وتفكرهم في غرائب مخلوقاته، واعتبارهم تصانيف أحوال مخترعاته، ولما تحققت في نفوسهم هويته، أقروا له عند ذلك بالوحدانية ووصفوه بالربوبية، وعلموا أن له ملائكة هم صفوته من خلقه، وخالص عباده من بريته: طلبوا عند ذلك إلى الله القربة، وتوسلوا إليه بهم، وطلبوا الزلفى لديه بالتعظيم لهم، كما يفعل أبناء الدنيا، ويطلبون القربة إلى ملوكهم بالتوسل إليهم بأقرب المختصين بهم، وكان من الناس من يتوسل إلى الملك بأقاربه وندمائه ووزرائه وكُتّابه وخواصّه وقواده، وبمن يمكنه بحسب ما يتأتى له، الأقرب فالاقرب والأدنى فالأدنى، كل ذلك طلباً للقربة إليه والزلفى لديه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015