فهكذا؛ وعلى هذا المثال فعلت الحكماء وأهل الديانات ومن عرف الله، وآمن به وأقر به، فإنهم طلبوا القربة إليه والزلفى عنده: كل واحد بحسب ما أمكنه وتأتى له، وأدى إليه اجتهاده، وتحقق في نفسه.
فلما مضى أولئك الحكماء والربانيون العارفون بالله حق معرفته، وانقرضوا، خلفهم قوم آخرون لم يكونوا مثلهم في المعرفة والعلم، ولم يعرفوا مغزاهم في دياناتهم، فأرادوا الاقتداء بهم في سيرتهم واتخذوا أصناماً على مثل صورتهم، وصوروا تماثيل على مثل ما فعلت النصارى في بيعهم، من التماثيل والصور مثل أشباه المسيح -عليه السلام- ومثل الروح القدس وجبرائيل ومريم -عليهما السلام-، وكذلك أحوال المسيح في متصرفاته؛ ليكون ذلك تذكاراً لهم بأحواله كيفما يمموا تلك التصاوير والتماثيل.
ثم قال إخوان الصفا الباطنيون:
فصل:
ثم اعلم يا أخي! أن من الناس من يتقرب إلى الله بأنبيائه ورسله وبأئمتهم وأوصيائهم، أو بأولياء الله وعباده الصالحين، أو بملائكة الله المقربين، والتعظيم لهم ومساجدهم، ومشاهدهم، والاقتداء بهم وبأفعالهم، والعمل بوصاياهم وسننهم على ذلك بحسب ما يمكنهم، ويتأتى لهم، ويتحقق في نفوسهم ويؤدي إليه اجتهادهم، فأما من يعرف الله حق معرفته فهو لا يتوسل إليه بأحد غيره، وهذه مرتبة أهل المعارف الذين هم أولياء الله.
وأما من قصر فهمه ومعرفته وحقيقته: فليس له طريق إلى الله تعالى إلا بأنبيائه، ومن قصر فهمه ومعرفته بهم فليس له طريق إلى الله تعالى إلا بالأئمة من خلفائهم وأوصيائهم، والتعلق بسننهم، والذهاب إلى مساجدهم ومشاهدهم، والدعاء والصلاة والصيام والاستغفار وطلب الغفران والرحمة