هذه مفاهيمنا (صفحة 203)

ولا يعتدى أثر بركة الأنبياء إلا لمن كان على ما دعى به سائرين، وبعمله مقتدين، وبأمره ملتزمين وعن نهيه منتهين، ولذا فصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تتعهد إليهم بركته في معركة أحد حين خالفوا أمره وعصوه.

وهذا النوع من تعدي البركة قد انقطع بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما كان من أجزاء ذاته باقياً بيقين بعد موته أحد، وقد ذهب ذلك المتيقن مع انقراض قرن الصحابة -رضي الله عنهم-.

الثاني: بركة عمل واتباع: وهي عامة لكل من وافق عمله سنة النبي صلى الله عليه وسلم فكل مسلم فيه بركة عمل مقدرة بقدر اتباعه وموافقته لأمر الله ونهيه، بالإتمار بالأمر، والانتهاء عن النهي.

ولذا جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري في " صحيحه " (9/569) في النخلة: " وإن من الشجر لما بركته كبركة المسلم ".

فكل مسلم بركة بقدره، وليست هي بركة ذات، معلوم هذا باليقين وما ادعاه مدع، وإنما هي بركة عمل.

وفي الصالحين من عباد الله المتبعين بركة عمل واتباع بقدر ما فيهم من مقتضيات تلك البركة، فالعالم بالسنة له بركة علم، والحافظ لكتاب الله الواقف عند حدوده فيه بركة من أثر ذلك، وهكذا.

وإن أعلى الصالحين بركة أشدهم اتباعاً لدين الإسلام، ومحافظة على واجباته، ومباعدة عن محرماته، ومن المحرمات أفعال القلوب، فكم من مبتعد عن محرمات الجوارح، خائض في محرمات القلوب، ولا يبالي.

وبهذا تجتمع النصوص، فما كان من الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم- فهو مما اجتمع فيه نوعي البركة، وما كان من غيرهم فهم مما بورك فيهم بركة عمل وعلم واتباع، ولذا تجد أثر هذه البركة لا يتعدى إلا بالأعمال، لا بالذات ولا بأجزائها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015