فنشط وكانت له جولة وصولة ثم كبته الله، والمقصود أن الشيطان ييئس إذا رأى التمسك بالتوحيد والإقرار به والتزامه، واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وهو حريص على أن يصد الناس عن هذا.
ولذا تمكن من هذا في فتراتٍ مختلفة، فعبده القرامطة عبادة طاعة وهم في الجزيرة وأفسدوا ما أفسدوا، وعبده من بعدهم مما يعرفه أولو البصيرة. {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ} [يس: 60-61] .
قال أبو جعفر محمد بن جرير إمام المفسرين -رحمه الله- في " تفسيره " (22/23 حلبي) : "يقول: وأَلَم أعهد إليكم أن اعبدوني دون كل ما سواي من الآلهة والأنداد، وإياي فأطيعوا، فإن إخلاص عبادتي، وإفراد طاعتي، ومعصية الشيطان هو الدين الصحيح والطريق المستقيم " انتهى.
ثانياً: إن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه هذا القرآن الذي فيه فصل ما بين الشركوالتوحيد، ونُوَّع هذا في القرآن وقرر حتى صار مما يعلم بالضرورة أن النبي محمداً صلى الله عليه وسلم بعثه الله يدعو إلى التوحيد -توحيد العبادة -وينهى عن الشرك وهو اتخاذ الأنداد وعبادة غير الله ومحبة غيره كمحبة الله.
فهذا معلوم بالضرورة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قاتل أناساً مقرين بتوحيد الربوبية وهو أن خالقهم ورازقهم ومدبر أمورهم ومحيهم ومميتهم، قاتلهم ليقروا ويلتزموا بتوحيد الإلهية الذي هو معنى شهادة أن لا إله إلا الله.
فبهذا الأصل وهو الركن الأوثق والطود الأعظم نعلم يقيناً أن الله -جل وعلا-لم يترك هذا الأمر ملتبساً أو مما يجتهد فيه أهل الذكر، بل هو أصل مقطوع به، مجزوم به لا اشتباه فيه ولا التباس، كما قال عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم في حديث العرباض بن سارية الصحيح: