" تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك "، فهذه البيضاء هي مضمون لا إله إلا الله، وهي إفراد الله بالعبادة وخلع الأنداد، والكفر بما يعبد من دون الله، والبراءة من الشرك وأهله، كما فسرها أهل العلم -رحمهم الله-.
فإذا علم هذا يقيناً فمحال أن يكون الشرك بصورته التي نهى الله عنها موجوداً في بلادٍ كثيرة ويحكم عليها بالشرك، ويوجد في الجزيرة بصورته ولا يحكم عليها بالشرك، هذا من التلاعب والهوى الصارخ، فمعنى الحديث متضح والحمد لله.
ثالثاً: جاء في الحديث إياس الشيطان من أن يعبده المصلون، والصلاة من أركان الإسلام العظام، وهي أعظم الأركان بعد الشهادتين، والصلاة ناهية عن الفحشاء والمنكر، كما قال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَر} [العنكبوت: 45] ، وأعظم المنكر الشرك بالله وصرف محض حق الله إلى غيره من الأنبياء والصالحين، فيكون هذا القيد لازماً للشهادة وإخلاص الدين، فيكون المعنى:
إن الشيطان يئس أن يعبده المخلصون دينهم لله، فتأمل نكتة تقييده بالمصلين، ويعني بها حقيقة الصلاة وثمرتها، وهذه نكتة مفيدة منَّ الله بها، والحمد لله الموفق للصالحات.