فصل:
ولذا يجد المطالع في كتب أهل العلم الفقهية باباً في كل كتاب منها يسمى: باب الردة، أعاذنا الله منها ومن ما قرب إليها، يذكرون فيه ألفاظًا يكفر بها المسلم ويصير مرتداً مباح المال والدم، مع أن هذا المرتد يكون -غالباً- يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله، ويقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويكون صائماً حاجاً، ولكنه ارتكب ناقضاً من نواقض الإسلام كالشرك فصار مرتداً عن الإسلام.
وها أنا أسوق في هذا الموضع عبارات أهل العلم وكلامهم من المذاهب الأربعة المتبوعة لينجلي المقام، وتظهر حقيقة الحال، في هذا الأمر.
قال في " مختصر خليل على شرح الدردير " (6/144) ، من كتب المالكية المعتمدة: " الردة: (كفر مسلم) متقررٍ إسلامه بالنطق بالشهادتين مختاراً، يكون (بصريح) من القول كقوله أشرك بالله، (أو قول يقتضه) أي: يقتضي الكفر، كقوله جسم كالأجسام، (أو فعل يتضمنه) أي: يستلزمه لزوماً بيناً: (كإلقاء مصحف) أو بعضه ولو كلمة، وكذا حرقه استخفافاً، لا صوناً، ومثل إلقائه تركُه بمكان (قذر) . . . ومثل المصحف: الحديث وأسماء الله وكتب الحديث، وكذا كتب الفقه إن كان على وجه الاستخفاف بالشريعة. . إلخ ".
قال الصاوي في " حاشيته " على أول كلامه: " قوله: (متقرر إسلامه) إلخ: ظاهره أن الإسلام يتقرر بمجرد النطق بالشهادتين مختاراً، وإن لم يوقف على الدعائم، وليس كذلك، بل لابد في تقرير الإسلام من الوقوف على الدعائم والتزامه الأحكام بعد نطقه بالشهادتين" انتهى.