أقول:
أولاً: ومن قال إن الدعاء والشفاعة يملكها ويقدر عليها من حياته برزخية نبياً كان أو غيره؟ فهذه قالة فاسدة يقيناً.
وقد فصلت في موضعٍ آخر حكم الواسطة، وكذا حقيقة الشفاعة، وكيف تطلب، فيراجع في محله.
الثاني: أن هذا القول فيه من الزعم على الإطلاع على قلوب عباد القبور شيء كثير، وكأنما صاحب المفاهيم كفيل بكل من دعا أصحاب القبور أن يدافع عنهم! وكان قصارى ما يجب عليه إنصافاً وعدم مكابرة أن ينسب ذلك إلى اعتقاده هو نفسه، وإلا فقلوب الناس لا سبيل إلى معرفة حقيقة ما فيها.
الثالث: أن من نتائج هذا القول السيئ إلغاء أقوال الفقهاء في باب حكم المرتد، إذ كل من صدر منه قولٌ شركي وكفري سيخرج من عهدته بالمجاز العقلي.
فهؤلاء المنافقون في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قالوا في غزوة تبوك: " ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء: أرغب بطوناً، ولا أكذب ألسناً، ولا أجبن عند اللقاء" فنزل فيهم قول الله جل وعلا: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة 65، 66] الآيات، أخرجه ابن أبي حاتم بإسنادٍ حسن، وأخرجه ابن جرير وغيره.
فلمْ يعذرهم عن استهزائهم، ولا قبل منهم، ولوكانوا في هذا الزمان لخرّج أصحاب المجاز العقلي قولهم، ولم يكفروهم، وكذا من قال من الزنادقة: الشيطان ربي، أو الحلاج إلهي، أو الولي الفلاني مطلع على