ومن سمع أقوال المستغيثين بأصحاب القبور علم أنهم يعتقدون أن لهم شيئاً من التصرف والاستقلالية، وهو كفر فوق كفر التسبب والواسطة.
قال أبو الفضل الشهاب الألوسي في تفسيره " روح المعاني " (6/115) : "ولا أرى أحداً ممن يقول ذلك إلا وهو يعتقد أن المدعو الحي الغائب أو الميت المغيب يعلم الغيب، ويسمع النداء، ويقدر بالذات أو بالغير على جلب الخير أو دفع الأذى وإلا لما دعاه، ولما فتح فاه، وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم ".
فالألوسي يبصر عبدة القبور المستغيثين بأصحابها، ويعرف ما يدور بخلدهم من كثرة ما يراهم، وعلى مثل حال من ذكر كثير من الذين يصرفون وجوههم إلى غير الله.
وقد وقع في هذا صاحب المفاهيم حيث قال ص91 في وصف نبي الله ورسوله محمدٍ صلى الله عليه وسلم: " فإنه حي الدارين، دائم العناية بأمته، متصرف بإذن الله في شؤونها، خبيرٌ بأحوالها. . . " اهـ، فإنه يُلْمِح ويشير إلى ذلك المعنى الذي عليه عبدة القبور، من اعتقاد تصرف المقبورين من الأنبياء والصالحين بشؤون الناس.
قال صاحب المفاهيم ص95:
"فالقائل: يا نبي الله اشفني واقض ديني، لو فرض أن أحداً قال هذا فإنما يريد: اشفع لي في الشفاء، وادع لي بقضاء ديني، وتوجه إلى الله في شأني، فهم ما طلبوا منه إلا ما أقدرهم الله عليه، وملكهم إياه من الدعاء إياه من الدعاء والتشفع.
وهذا هو الذي نعتقده فيمن قال ذلك، وندين الله على هذا، فالإسناد في كلام الناس من المجاز العقلي الذي لا خطر فيه على من نطق به" اهـ.