فما من منازع في توحيد الربوبية عند العرب إلا شرذمة لا يصح أن تنسب لهم مقالة كما قاله جمع من العلماء، وما أولئك بالموحدين توحيداً محضاً.
قال صاحب المفاهيم ص21:
" والأمر الجامع في ذلك أن من أشرك مع الله جل جلاله غيره في الاختراع والتأثير، فهو مشرك، سواء كان الملحوظ معه جماداً، أو آدمياً، نبياً، أو غيره، أو ملكاً، أو جناً، أو عملاً عمله.
ومن اعتقد السببية في شيء من ذلك اطردت أو لم تطرد، فجعل الله تعالى سبباً لحصول مسبباتها، وأن الفاعل هو الله وحده لا شريك له فهو مؤمن، ولو أخطأ في ظنه ما ليس بسببٍ سبباً؛ لأن خطأه في السبب لا في المسبب الخالق المدبر جل جلاله، وعظم شأنه".
أقول: وهذا الاعتقاد هو عين ما كان يعتقده مشركوا العرب حَذْو القذة بالقذة والنعل بالنعل، لا فرق، فكيف تجري هذه الشبه في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وقد أكرمها الله ببعثة نبيه وإجابته واتباعه؟ ! ثم إن أهل وحدة الوجود يقولون: إن من اعتقد أن هناك فاعلاً غير الله فقد أشرك وهو قول الجبرية أيضاً، وذلك ما يدل عليه كلامه.
والمشركون لم يعتقدوا أن أوثانهم تخلق بنفسها، ولا أنها تنفع بنفسها ولا أنها تفعل هي، بل الفاعل عندهم والمدبر هو الله كما قال تعالى: {وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ} [يونس: 31] ، وقال: {قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} [المؤمنون: 88، 89] ، فإذا أخبرنا الله أن أولئك الأقوام إنما أشركوا شرك