والمشركون الذين بعث إليهم نبي الله إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- مقرون بذلك المعنى، ومقرون بأن الله خالق ما يعملون، فهم مخلوقون وأفعالهم مخلوقة لله.
ولذا احتج عليهم إبراهيم -عليه السلام- بما يقرون به فقال لهم ما أخبر الله عنه: {أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 95، 96] فأنكر عليهم العبادة: وهي صرف القلب لهذه المنحوتات المصورة على صور الوسائط، وحجهم بما يقرون به، وهو خلق الله لهم ولما يعملونه، فأين هذا من التوحيد المحض، وهم المشركون شركاً محضاً؟ !
وقوله: " لا تأثير لأحد سواه لا لحي ولا لميت إلخ" تفوح منه رائحة قول غلاة الصوفية القائلين بوحدة الوجود، وأنه ما ثَمَّ إلا الله، وأفعال العباد هي أفعاله، وقول صاحب المفاهيم: " بخلاف ما لو اعتقد غير هذا فإنه يقع في الإشراك"، نابع ومتفرع عن أصل أهل الكلام المذموم، وهو أن غاية التوحيد توحيد الربوبية، والمشرك من اعتقد وجود خالقين، أو نابع من القول بوحدة الوجود كما ذكرنا، ومن عرف حال المشركين الذين أخبر الله بأحوالهم ومعتقداتهم، تيقن بطلان هذا الكلام العقلي لا الشرعي، فإنه ليس له من دلائل الكتاب السنة نصيب، بل القرآن كله في تقرير خلافه.
ولكن تتلمذ فئام لأهل الكلام وكتبهم، وانصرفوا عن تدبر كتاب ربهم، والإشراك أقسام:
منها: ما يقع في الربوبية كاعتقاد الثنوية القائلين بوجود خالقين.
ومنها: ما يقع في الألوهية، كما هو شرك أكثر بل كل من بعثت لهم الرسل الذين قصَّ الله علينا في القرآن أخبارهم.