قال ص 16 تحت عنوان: المجاز العقلي واستعماله:
" الاعتقاد الصحيح هو اعتقاد أن الخالق للعباد وأفعالهم هو الله وحده، فهو الخالق للعباد وأفعالهم، لا تأثير لأحدٍ سواه، لا لحي، ولا لميت. فهذا الاعتقاد هو التوحيد المحض، بخلاف ما لو اعتقد غير هذا فإنه يقع في الإشراك" اهـ.
أقول: هذا الاعتقاد هو توحيد الربوبية، وما هو بالتوحيد المحض، بل التوحيدُ المحض هو ما جمع بين توحيد الله في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، وما لم تجتمع فيه هذه الثلاثة فليس بتوحيد محض.
وقد قدمنا بالأدلة القاطعة من القرآن والسنة أن المشركين الذين بُعِثَ إليهم النبي صلى الله عليه وسلم كانوا مقرين بما سماه صاحب المفاهيم " توحيداً محضاً ".
اسمع قوله تعالى: {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ فَذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُواْ أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} [يونس: 31-33] ، فهم مقرون بأن الله هو الخالق وحده، والمحيي المميت وحده، وهو وحده مدبر الأمر، ومع ذلك أخبر أنهم ليسوا مؤمنين، وأنهم على ضلال.
فاحتج عليهم بما يقرون به: وهو توحيد الربوبية، على ما ينكرونه توحيده سبحانه بأفعالهم وهو الألوهية، ولا بُدّ عند الحجاج أن يقدم للمعارض ما به يقر، فانظر إلى لطيف هذه الحجة واستعمال القرآن لها.