صحبته في السفر؟ وفيه تمتحن أخلاق الرجال. قال: لا. قال: فإذاً أنت لا تعرفه، فائتني بمن يعرّفك " (?).
والمعنى -مع الجوامع التي ذكرها عمر- أن الناس يخفون عوراتهم ويغطونها جهدهم، ولا يتحقق الاطلاع على نقاء السريرة، ولكن لا أقل من التوصل إلى ما يُغلِّب على الظن، وذلك يحصل بما ذكرناه من الخبرة الباطنة.
وأما الجرح فمأخذه الاستيقان والعيان، أو ما جرى مجراه. هذا قولنا في مآخذ الجرح والتعديل.
ومما يتصل بهذا أن المزكي إذا عدّل، فحقُّ القاضي أن يبحث عن علمه بباطنه بَحْثَ عمرَ في الأثر المروي. والسبب فيه أنه قد يعتقد جوازَ البناء على الظاهر والأخذَ بتحسين الظن؛ فإذا بحث القاضي أزال الشك ببحثه.
وإن علم أن المزكي خبير بالتزكية عالم بأن التعويل على البواطن، وقد ألف ذلك منه [وراجعه فرآه خبيراً بصيراً] (?) غيرَ مكتفٍ بالظاهر، فإذا أطلق مثلُ هذا المزكي التعديلَ؛ فالأصح أن القاضي لا يحتاج إلى مراجعته في إسناد تزكيته إلى الباطن.
ومن أصحابنا من شرط هذه المراجعة في كل تزكية؛ تمسكاً بأثر عمر؛ وهذا غير سديد، والأثر محمول على علم عمر بأن المعدِّل لم يكن خبيراً بمأخذ التعديل، وقد تحقق ذلك لما [راجعه] (?) كما روينا الأثر.
11910 - فأما لفظ التزكية، فإن قال المزكي: هو عدلٌ رضاً، لم يكفِ ذلك، حتى يقولَ: مقبولُ الشهادة؛ فإن العدل الرضا، قد يكون مغفلاً. نعم، تثبت العدالة بما قال، ثم يُستخبر بعد هذا عن الأسباب المانعة من قبول الشهادة، كما سنصفها إذا انعطفنا، إن شاء الله، على المراسم التي ذكرناها أولاً.